مراجيح الحارة.. مدينةُ ملاهي مصغرة لذوي الدخل المحدود في حمص
“قوّيها قوّيها”، تعلو أصوات الأطفال في إحدى الحارات الفرعية بحي المهاجرين في مدينة حمص، ممزوجةً بضحكات العيد، ومزينةً بثياب جديدة، ومسدسات خرز تصطف على خصر الذكور، وجزادينٌ للبنات امتلأت بالعيديّات الوفيرة.
ولأن تذكرة دخول مدن الملاهي الكبيرة ارتفعت كما حال كل شيء في البلد، قرر بعض السكان وفي امتدادٍ لعادات حمصية قديمة، نصبَ مدينة خاصة بهم لا تتعدى ألعابها أربعة أنواع مختلفة، لكنها كفيلة بإدخال البهجة إلى قلوب الأطفال، كما قال “أبو وسيم” أحد سكان الحي.
“دويخة، زحليطة، مرجوحة، ودولاب”، تحت هذه المسميات العامية المحببة يقضي أطفال الحارات ساعات الصباح الأولى من عيد الاضحى، قبيل توجههم لقضاء الزيارات العائلية برفقة أهاليهم، فالعيد لا يبدأ عندهم إلا بعد اللعب في الملاهي.
واللافت للنظر في هذه الألعاب أنها يدوية الصنع بالكامل، فلا آلات معقدة هنا ولا عامل غير بشري يساهم برسم الابتسامة على وجه الأطفال، بل تقتصر على مجموعة من الأعمدة الحديدية المثبتة بإحكام فيما بينها.
“عادة قديمة منذ سنوات ما قبل الحرب”، يقول الرجل الخمسيني لتلفزيون الخبر، “عندما كانت مدينة الملاهي حينها موجودة بشكل محدود ضمن المدينة، بل إن عدداً كبيراً لم يعرفها إلا عبر شاشة التلفاز، فقررنا صنع ملاهينا الخاصة المتواضعة لإدخال البهجة إلى قلوب الأطفال وللمنفعة المادية أيضاً”ّ.
يضيف” أبو وسيم”: “لم يعد ينفع إجراء المقارنات ما بين تذكرة اللعب في هذه الملاهي بين الماضي والحاضر، فكل شيء تغير بما يخص الأسعار، إلا أن الثابت الوحيد الذي بقي محافظاً على جماله هو ضحكة وابتسامة هؤلاء الأطفال”.
“أرخص بكتير من مدينة الملاهي الكبيرة”، يضيف الرجل المتقاعد، فالوقت المسموح باللعب هنا تقديري لا ورق فيه ولا أرقام، فيستطيع أي طفل أن يلعب مدة تقريبية تبلغ خمس دقائق لكل لعبة بتكلفة 1000 ليرة فقط مع إمكانية اللعب مجدداً، ولا أجده مبلغاً كبيراً كونه لم يعد يشتري بسكوتة”.
أما عن إجراءات السلامة ومخاطر سقوط الأطفال، يؤكد”أبو وسيم” أن الحوادث نادرة الحصول رغم أن كل شي يدوي الصنع والتركيب، فلا يتم السماح لأي طفل باللعب قبل التأكد بشكل يومي من متانة الحديد وثبات العوارض التي تعد بمثابة حزام الأمان للأطفال”.
ويقول “أبو وسيم” مازحاً: “لا يخلو الأمر من بعض الإصابات الطفيفة”، فقد يقترب أحد الأطفال خلسةً من المرجوحة قبل توقفها على سبيل المثال، ولا تكون جراحه خطيرة بل تقتصر على بعض الخدوش”.
من جهته، قال “إيهاب”، من سكان الحي و(خال لطفلة تبلغ عامين من عمرها) لتلفزيون الخبر: “اعتدت اصطحاب ابنة أختي إلى الملاهي في الحارة كل عيد يمر، وحقيقة الأمر فإن الأمر يتعدى التكلفة المادية البسيطة، فالأهم بالنسبة لي أن (نايا) تعرف أطفال الحي وتضحك كثيراً بوجودهم وهو ما لا تجده في مدينة الملاهي الكبيرة”.
وأضاف الشاب أنه “لم يسجل طوال تواجدي في الحي وقوع أي حادث يذكر، بالإضافة إلى قطع أصحاب هذه الملاهي الطريق الفرعي بشكل بسيط أمام السيارات والدراجات النارية، وهو ما يشكل عامل أمان إضافي”.
ومع الإشارة إلى أن انتشار هذه الملاهي لا يقتصر على حي أو محافظة بعينها، إلا أن ما يضيف نكهة خاصة إلى ملاهي أحياء مدينة حمص هو العبارات المنطوقة باللهجة العامية المعروفة، فضمُّ أول حرف من الكلمة ومدّ الياء آخرها يجعل الملاهي (لُعبِي حُلوِي).
عمار ابراهيم – تلفزيون الخبر – حمص