“جعبالي صاج”.. جملة تُحاكي عقل المارّين أمام صاج “عبد” في دمشق
لا أحد يستطيع المرور من جانب صاج “عبد” أثناء تجواله بعد الإفطار في رمضان المبارك، إلا ويشعر بصوت داخلي يقول له: “جعبالي صاج”، ليقف لحظات ويأخذ القرار بتجربة يُحكى في تكرارها بحي “القيمرية” في دمشق.
ويقف “سليمان” (36 عاماً) بمريوله الأبيض وكمامته خلف صحن الصاج الحديدي المدوّر، وتسيطر على ملامح وجهه الابتسامة عند تحضير كرات العجين ذات اللون السكري للزبائن، ثم مدّها عن طريق (الشوبك) فوق “رشة” الطحين الأبيض.
وتحدّث “سليمان” وهو الموظف الحكومي لتلفزيون الخبر عن عمله الإضافي بعد انتهاء دوامه الرسمي، بصنع الصاج لأكثر من 14 عاماً لكي يسند عائلته وأولاده في ظل هذه الظروف الصعبة من خلال محل صغير عبارة عن (متر بمترين) في حارات الشام القديمة.
“وبعض الأشخاص يستسهلون العمل وراء الصاج، إلا أن هذه المهنة باتت فناً، وتحتاج خبرة في العجن وترتيب مقادير العجينة ثم الخبز، مع مراعاة درجة الحرارة التي تتعرض لها القطعة الواحدة”، بحسب وصف “سليمان”.
ويحمل “سليمان” بيده اليمنى ملعقة تملؤها المحمرة وبيده اليسرى يمسك القشقوان المبروش ويفرده فوق العجينة المدوٍرة التي وضعها على صحن الصاج بعد رقّها إلى أن يملأ المكان صوت الخَبز وصورة فقاعات العجينة، تزامناً مع “بلعة” الريق التي تلازم كل شخص يشم الرائحة الفواحة والشهية.
وعن تكاليف المواد، يعاني صاج “عبد” مثل حال كل من يعمل في دمشق من قلّة في تأمين المحروقات وعلى رأسها الغاز مع ارتفاع تكاليفها في السعر الحر (السوق السوداء)، عدا عن مزاجية الأسعار التي تختلف من يوم إلى آخر.
ويأتي “سليمان” من منزله بعد الإفطار من كفرسوسة ليرافق أبناء الحي والوافدين من مختلف مناطق دمشق إلى موعد السحور في رمضان، حيث يحضّر الأدوات ويجهّز المواد، ويبدأ ببيع الصاجة الواحدة من سعر 1500 إلى 5000 ليرة سورية بحسب نوعها.
وأثناء تحضير “سليمان” لأصناف أخرى مثل المحمرة وصلصة البيتزا والقشقوان والزيتون والمرتديلا والحبش مع الفطر والذرة والشوكولا، يقف طفلاً تتوسع حدقات عينيه أمام صحن الصاج، قائلا: “عمو فيك تعملي وحدة بألف ليرة!”.
ويسيطر المشهد على كل الزبائن المنتظرين بالدور لشراء “كم وحدة” صاج، عدا الست “سميّة” التي تبلغ من العمر حوالي (60 عاماً) والتي كان همّها وصول طلبها على طاولة المحل الخشبية الوحيدة التي دار عليها الزمن، حيث تجلس على كرسي يتباهى بإسفنجته الجلدية وظهره الحديدي المعتق.
وانتهى الحال بتقديم نوعاً من الصاج للطفل كبركة في الشهر الفضيل، وعربون محبة وعطاء الذي يتحلّى به السوري مهما ضاق عليه الحال وكثرت متاعبه، وهو يردّد: “الفضل لله” مع ابتسامة.
كلير عكاوي – تلفزيون الخبر