العناوين الرئيسيةمجتمع

يهدونها “ظرف” متاعبهم.. هل اختلف الاحتفال بالأم السورية في عيدها هذا العام؟

لطالما ردد الأبناء أغنية “ست الحبايب يا حبيبة يا أغلى من روحي ودمي” تعبيراً عن شكرهم وتقديرهم لأمهاتهم في عيد الأم، بعد أن عبّرت كلمات الأغنية عن محبة الأم التي هي أغلى من روح الإنسان ودمه، إلا أن الكثيرين لا يرتوون في التعبير بالكلام فقط، بل يلجؤون إلى الأفعال المادية عبر تقديم الهدايا والحلويات وكل ما بوسعهم لإسعادهن في الاحتفال بيومهن.

واختلف عيد الأم على السوريين هذا العام لأن شأنه شأن كل نواحي الحياة، فتأثر الاحتفال بطريقة أو بأخرى بتتالي الأزمات التي طرأت على رؤوسهم واحدة تلوى الأخرى منذ 12 عاماً مع بداية الحرب والتدهور الاقتصادي، وصولاً إلى تداعيات الزلزال الذي ضرب البلاد، وما فرضه من مآسي بعد فقدان “الغوالي” في عدد لا بأس به من العائلات السورية في المناطق المنكوبة.

وهنا يكمن السؤال.. هل اختلف احتفالنا بالأم السورية في عيدها هذا العام؟ سؤال يطرحه الواقع المعيشي في سوريا رغم إصرار بعض الأسر على بقاء التجمعات وتبادل التهاني، دون إرسال الزهور باهظة الثمن.

حيث بلغ سعر الوردة الجوري 3 آلاف ليرة سورية، أو حتى دون قوالب الحلوى التي تراوحت أسعارها من 35 ألف لعدد 4 أشخاص وصولاً إلى الـ 100 ألف ليرة سورية على أقل تقدير.

وحاولت “علا” (30 عاماً) وهي موظفة في إحدى البنوك الخاصة في دمشق أن “تشتري لوالدتها كنزة حمراء كانت تزيّن إحدى واجهات المحال في القصاع – دمشق، رغم ارتفاع الأسعار، حيث بلغ سعرها 33 ألف ليرة سورية”، قائلة لتلفزيون الخبر: “لا يوجد كنزة في السوق أرخص من 25 ألف ليرة سورية رغم قلّة جودتها”.

وتصدّرت الأم السورية في الصفوف الأمامية بمختلف الميادين على مر السنين، في مرتبة ربة المنزل أو العاملة أو الطبيبة، أو المهندسة أو كل ما إلى ذلك، فيما يعجز اليوم أبنائهن إهدائهن شيئاً ما كذكرى، نتيجة شح الرواتب وزهد الأجور وصعوبة الحياة المعيشية ومعاناة تأمين لقمة العيش التي بات يشارك في جمع خبزها كل أفراد العائلة كسرة وراء كسرة.

وطالبت “ميري” (34 عاماً) التي تعمل في قسم السكرتارية بإحدى الشركات “أصدقائها بأن تحصل على مبلغ الجمعية في آذار لتستطيع شراء بنطال جينز لوالدتها بدلاً من الذي اهترأ وهو يحاول البقاء لسنين كثيرة”، قائلة لتلفزيون الخبر: “أسعار الجينزات في الأسواق المحلية تتراوح من 55 إلى 85 ألف ليرة سورية وسطياً”.

وتوجّه “عصام” (45 عاماً) الذي يعمل بائعاً للغذائيات في إحدى محال دمشق إلى السوق لشراء أرخص ما يجده كهدية لوالدته، بالوقت الذي تكون هي الأغلى على قلبه، ليتفاجأ بأسعار الألبسة، فلجأ إلى شراء حقيبة سوداء لمن حملته تسعة أشهر في رحمها، بـ 65 ألف ليرة سورية لكونها مناسبة لها على عكس الحقائب التي رآها وبدأت أسعارها من 25 ألف ليرة سورية”.

وغيّرت الأحوال ملامح الاحتفالات، فصعبت التجمعات وزرعت في نفوس الكثيرين من الأبناء مشاعر الخجل، بعد أن قدم أحدهم إلى والدته ظرفاً يحوي على مبلغ قدره 25 ألف ليرة سورية أو اشترت إحداهن قارورة عطر صغيرة بالمبلغ نفسه.

في حين لجأ آخرون لتقديم ظرف متاعبهم مع الكثير من الاعتذارات، فهل قبلت أمهاتهم كلمات الشاعر سليمان العيسى التي تعلّموها في المدرسة “ماما ماما يا أنغاما” كرسالة حب واحترام؟

وقال “علي” (25 عاماً) متخرج من كلية الزراعة: إن “الحب الحقيقي بعد كل هذه الظروف وخصوصاً في آخر المصائب (الزلزال المدمر)، هو حرصنا على الاهتمام بصحة أمهاتنا والشعور بالمسؤولية الكاملة تجاههن، وعدم التهاون والاستهتار بهن لأن هناك من فقدهن بلحظة واحدة إلى الأبد، ووجودنا مع بعضنا هي أجمل هدية في الحياة”.

ولطالما كان الذهب بمثابة الهدية التي “لا تموت” بنظر السوريين في عيد الأم قديماً، إلا أن الأحوال في سوريا عكست الأقوال وقلبت الموازين، ولم يعد هذا المعدن في حسابات الكثيرين أو في قائمة هداياهم بعد وصول الغرام الواحد منه لأسعار غير مسبوقة، فبلغ سعر غرام الذهب عيار 21 قيراط، الاثنين 20 آذار بـ 403000 ليرة سورية، أي ما يعادل ثلاثة أضعاف راتبهم الشهري وسطياً.

وفي جولة لتلفزيون الخبر على بعض الأسواق المحلية، تبين فتور في حالة التسوق وقلّة بشراء الهدايا للأمهات هذا العام التي اقتصرت على الأقليات بعد سؤال العديد من الباعة، حيث وصف البعض الحال “بالمُزري”.

في حين أكد آخرون أن الظروف القاسية لم تمنع شريحة معينة من اقتناء الهدايا لأمهاتهم، فهناك من يستطيع شراء الهدايا على مبدأ “اللي معو برش عالمخلوطة” ولا يقف عند شراء هدية بهذه المناسبة.

ومهما اختلفت مستويات السوريين المعيشية وطبقاتهم الحياتية من متأثرين أو غير متأثرين بحال الواقع، إلا أن الجميع يتوحدون ويتفقون مع الفنان دريد لحام ويرددون كلماته “ياما بردتي ياما لتدفيني.. ياما جعتي ياما لتطعميني”، إنها الأم التي لا يختزل عيدها في يوم واحد ولا يقدر حبها بثمن، هي من أهدت أبنائها الأمان من أي أذى، فلا يوجد ما يقابل تضحيتها مهما ارتفع ثمنه في حال استطاع المرء شراؤه أو لم يستطع.

كلير عكاوي – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى