العناوين الرئيسية

آثار سوريا بعد زلزال 6 شباط … الترف المباح

يحتار المرء عند وقوع الكارثة على ماذا يتحسر، هل على فقدان الأحبة وهم في المقام الأول أم خسارة المال (القابل للتعويض) أم الأضرار التي تُلحقها هذه الكوارث بالإرث الحضاري والتاريخي للبلاد؟.

وفي حالة سوريا، فلا يوجد كارثة على قائمة الكوارث الإنسانية إلا وأرخت بظلالها على البلاد شعباً وتاريخاً حتى بات توقع الكارثة القادمة نوع من التسلية لمن تبقى على قيد الحياة.

ولم يكن زلزال 6 شباط بعيداً عن هذه المعضلة، فلم تجف الدموع على فقدان الأحبة وضياع الممتلكات إلا وبدأ التنبه للضرر الذي أصاب الأماكن الأثرية والتاريخية خصوصاً وأن المحافظات المنكوبة بفعل الزلزال هي محافظات ذات إرث تاريخي عريق وتملك العديد من التجمعات الأثرية والتراثية.

حلب .. يا نبع من الألم

ما إن يظهر اسم حلب ضمن خارطة المناطق المنكوبة حتى يستنفر كل التاريخ الإنساني بحثاً عن نفسه فوق هذه الرقعة الجغرافية التي أكلت الحرب منذ 2011 منها ما أكلته وتركتها جريحة مفجوعة بدمار ما بعده دمار، لم يكن ينقصه سوى زلزال قادم من تركيا لتكتمل خريطة أحزانها.

ولأن كل سنتيمتر مربع في حلب هو جزء من تاريخ الحضارة الإنسانية فكان الضرر الذي لحق بأثار المدينة نتيجة الزلزال صعب الإحصاء بحسب مدير الأثار والمتاحف في حلب صخر علبي.

حيث أفاد “العلبي” لتلفزيون الخبر أن “الاماكن الأثرية والتاريخية المتضررة بفعل الزلزال موزعة على رقعة جغرافية كبيرة داخل المدينة القديمة وخارجها ولا يمكن حالياً إحصاء عدد الأبنية المتضررة فمازالت الفرق تعمل على الأرض بهذا الخصوص والإمكانيات البشرية لدينا متواضعة”.

وحول الألية المتبعة للكشف عن الأضرار تحدث “علبي” أنه “بداية نقوم بعملية جرد للأضرار وتحديد الأولويات حسب الخطورة والحاجة ثم نقوم بالتدعيم وفي أقرب فرصة خلال الأيام القادمة ستتم أعمال الترميم والتدعيم “.

وأشار “علبي” إلى أن “الأضرار في القلعة كانت موجودة سابقاً بفعل الحرب وزاد السوء فيها الزلزال كالمدخل الرئيسي للقلعة الذي كان مُدعماً بشكل نسبي لحمايته من أثار الحرب لكنه تضرر كثيراً بعد الزلزال، وفي القلعة هناك جامعين كبير وصغير، الجامع الكبير يوجد به شروخ كبيرة في المئذنة وغيرها ويوجد طاحونة تضررت”.

وبخصوص عمليات الترميم بشكل عام أوضح “علبي” أن “هناك ملكية وهناك جهة أثرية وهي جهة وصائية تتم عمليات الترميم (تحت عينها) وجميع المباني الدينية ملكيتها لوزارة الأوقاف حيث يقومون بإخبارنا بعمليات الترميم لنراقب هذه العمليات ضمن (الكودات) المعتمدة والمديرية مسؤولة عن المدينة القديمة ككل وعما يوجد خارج المدينة من قلاع ومتاحف”.

وتابع مدير الاثار “فيما يخص البيوت التراثية الخاصة هناك نافذة واحدة بمديرية المدينة القديمة يتواجد فيها موظفين من الأثار والبلدية ومن خلالها يتم استصدار رخص ترميم هذه البيوت ممهورة بختم البلدية والمديرية مشاركة وليست مانحة”.

وأردف “ضمن مديرية المدينة القديمة هناك لجنة فنية لتأهيل المدينة القديمة، فإذا كان الترميم صغير الحجم يُبت وضعه بالبلدية مع استشارة الأثار أما إذا كان الترميم كبير مثل (ترميم الفنادق بجانب القلعة) يُحال للجنة أعلى بالمحافظة اسمها لجنة حماية المدينة برئاسة المحافظ يوجد فيها ممثلين عن الأوقاف والأثار والسياحة”.

اللاذقية .. على موج الوجع

عروس البحر الأبيض المتوسط كانت ولما تزل رغم ما حصدته من شهداء طيلة العقد الماضي من الحرب، هذه هي اللاذقية التي لن يزيد على أوجاعها الزلزال بشيء سوى أنه سيؤكد مظلوميتها.

هذه المدينة الوديعة على كتف المتوسط كان يمكن لاي عاشق يتجول في شوارعها أن يرى التقاء التاريخ مع البحر في “فُسحة على موجه” لكن زلزال 6 شباط أبى أن يتوقف قبل أن يلحق الضرر ب26 بناء تاريخياً وأثرياً فيها.

ولتلفزيون الخبر قال مدير الأثار والمتاحف في اللاذقية ابراهيم خير بيك أن “موضوع الترميم بحاجة خطة ومازلنا نعاني من أثار الزلزال وفي طور عمليات الاحصاء وهناك 26 مبنى متضرر بفعل الزلزال والأولوية حالياً في الترميم للأبنية الأثرية والتاريخية المسجلة”.

وعن الأماكن المتضررة بالزلزال تحدث “خير بيك” أن “المتحف الوطني تضرر وقلعتي صلاح الدين والمهالبة وجوامع الجديد والبازار والمينا والكبير والضحى والشيخضاهر والصليبة والخشاش وزاوية الفتاحي وكنيستي اللاتين والمعلقة ومدرسة جول جمال وقبو سقوبين وقصري السعادة والشير وقنطرة الصباغين ومدرسة الإعداد الحزبي والسرايا وفندق حلب وتل رأس البسيط وابن هاني الأثري وسوقي المقبي والبالة”.

وختم “خير بيك” أن “استصدار رخص الترميم بخصوص البيوت العربية القديمة عبر البلدية وموضوع التكاليف ليس من اختصاص المديرية تحديده بل البلدية ويتوقف على المديرية ترميم القلاع والمتاحف والأماكن الأثرية المشابهة ومع الأسف الإمكانيات ضعيفة والدور الدينية من اختصاص وزارة الأوقاف”.

طرطوس

شرح مدير الأثار والمتاحف في طرطوس مروان حسن لتلفزيون الخبر عن واقع الأماكن الأثرية والتاريخية بعد الزلزال “تعرضت العديد من المواقع الأثرية في محافظة طرطوس للأضرار نتيجة الزلازل التي حدثت خلال الفترة الماضية ويمكن تصنيف هذه الاضرار بين خفيف ومتوسط وخطر وهي على شكل تصدعات بعضها خطر وهناك انهيارات جزئيه في بعض المباني”.

وأضاف “حسن”: “من المواقع التي تعرضت للضررموقع قلعة المرقب وقلعة العليقة وقلعة القدموس وقلعة الخوابي وبرج صافيتا حيث وصل عدد المواقع المتضرره إلى 14 موقعاً بالإضافة إلى بعض المنازل في مدينة طرطوس القديمة والشريحة الانتقالية”.

واستكمل “حسن” حديثه “لم يتم البدء بأية أعمال ترميم في اي موقع كون لجان توصيف وتوثيق الاضرار لم تنهي عملها وخصوصا نتيجة الهزات الارتدادية حيث سيتم في المرحله التاليه إنجاز استمارات تقييم للأضرار التي من خلالها سيتم تحديد أولويات التدخل بأعمال الحماية والترميم بعد تأمين الاعتمادات الماديه اللازمة”.

وأشار إلى أنه “في حال كانت البيوت المتضرر مسجله اثرياً او تقع ضمن مناطق الحماية وهي ملكيه خاصه فيقع على عاتق المالك ترميمها وفقاً للشروط الفنية التي تضعها السلطات الأثرية بما يحفظ قيمتها التاريخية والأثرية ويلبي احتياجات المالك”.

ونوه “حسن” إلى أنه “في حال تعذر ذلك اعتقد انه من الممكن دراسة الموضوع من قبل الجهات ذات الصله لإيجاد الحلول المناسبه وليس هناك اية رسوم تدفع للسلطات الأثرية”.

“الترف المباح”

أكد الباحث التاريخي علاء السيد في مستهل حديثه مع تلفزيون الخبر أنه “كلما كانت عملية الترميم أسرع كان الضرر أقل وألية الكشف عن الأضرار مازالت متواضعة وبطيئة نتيجة انشغال الفرق الهندسية بالكشف عن المنازل وهناك أماكن لم تستطع اللجان الوصول إليها حتى الآن”.

وحول ترميم البيوت التراثية أوضح “السيد” أنه “مكلف جداً ولم يتم الانفاق بعد الحرب على ترميم المنشآت الخاصة، حتى الأسواق جاءت المنظمات الدولية لترميمها فتولت ترميم واجهتها على اعتبار المحلات من الداخل ملكية خاصة ما يعني أن ترميم هذه العقارات على حساب المُلاك لكون امكانيات الترميم غير متوفرة حالياً”.

في النهاية، من المؤكد أن الحديث عن أي شي وقت الكوارث خارج حياة الإنسان وأمانه هو نوع من الترف، لكن موضوع الأثار ترف مباح لا يحتمي بخطابات عصماء ولا شماعات تقصير عمياء، كل ما هنالك أنها بما تمثله هي دليل على استمرارية الحياة رغم تعدد النكبات والأوجاع وعلينا حمايتها، فهي وديعة أجدادنا إلينا.

جعفر مشهدية-تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى