مواطنون يستنجدون بالحطب للتدفئة ومعنيّون يفتقدون الأشجار ويصفون الحال بالخطير
عكست أغنية سلطان الطرب جورج وسوف “أنت وأنا ياريت عنا كوخ” حال الكثير من السوريين في انعدام الكهرباء والجوخ و”العيشة” التعيسة التي لا يعلم أحد من المعنيين بمصابها في ظل سوء الواقع المعيشي الذي أودى بهم إلى الابتكار من العدم أساليب للتعايش وإيجاد البدائل وخصوصاً في وسائل التدفئة مع الشح الكبير بالمحروقات التي تشهده سوريا.
ولجأ العديد من السوريين إلى تحويل مدافئ منازلهم للاشتعال عبر الحطب كحل مؤقت لمعضلة التدفئة في ظل ارتفاع سعر المازوت الذي وصل الليتر الواحد منه إلى 13 ألف ليرة سورية في السوق “السوداء” بعد انتهاء الحلول في مواجهة فصل شتاء 2023 الأكثر برودة مقارنة بالعام الماضي.
“الغاية تبرّر الوسيلة”
على مبدأ “الغاية تبرّر الوسيلة”، يقول “مصطفى” (55 عاماً) الذي يعمل في محل لبيع المنظفات في ريف دمشق لتلفزيون الخبر إن “قطع الأشجار هو أسوأ حل يلجأ إليه المواطن ولكن لم يتركوا لنا الحلول.. كل ما نطلبه الدفء لأولادنا.. لا يوجد مازوت ولا غاز ولا أي وسيلة تدفئة”.
ويجلس “ثائر” وهو في عمر الشباب ولا يتجاوز (28 عاماً) على رصيف محلّه في “الطبالة” دمشق، ينسّق أكياس “الخيش” ويضع فيها قطع الأشجار واحدة تلوى الأخرى بعد قطها بالساطور من قبل أخيه على حافة الطريق.
وقال “ثائر” (اسم مستعار) لتلفزيون الخبر: “لدينا أنا وأخي بضع دونمات من أرض زراعية تقع بين قدسيا ودمر بدلاً من الاهتمام بها والاستفادة من ثمارها، بتنا نقطع الأشجار و نجمع الحطب للاكتفاء الذاتي وبيع الفائض منها”.
بدوره، مدير الحراج في وزارة الزراعة علي ثابت قال لتلفزيون الخبر: “نحن حريصون على مراقبة وضبط عمليات الاحتطاب والاتجار بالأخشاب الناتجة عن تعدّيات وقطع الأشجار داخل الأراضي الحراجية”.
“ونقص المحروقات عام 2023 أثّر بشكل سلبي على الحراج وحتى على الأشجار المثمرة لأن المواطنين لا يوجد لديهم أي مصدر للتدفئة، وبالتالي لجأوا إلى الحطب”، بحسب “ثابت”.
“رجّعونا لأيام العرجوم”
اختلفت أنواع الحطب منها شجر الزيتون والزنزلخت والحور والمشمش وغيرها، ومنهم من لجأوا إلى تفل بزر الزيتون والنشارة وغيرها وخاصة في الأرياف كوسيلة مؤقتة للتدفئة.
وتقول ربة المنزل “وداد” (53 عاماً) لتلفزيون الخبر: “من القلّة مالو علّة.. لا يوجد أمامنا سوى الحطب للتدفئة علماً أن رائحته مزعجة وغير صحية، حيث نشتري حطب الزيتون وهو الأفضل عند الاشتعال”.
واستذكرت “وداد” أيام الصغر عندما كان جدها يستخدم “العرجوم” في حديقة منزلهم في اللاذقية، وهو عبارة عن قطع خشب زيتون مكسّرة، ساخرة: “رجّعونا لأيام العرجوم”.
“طن” الحطب يتجاوز المليون ليرة
في جولة لتلفزيون الخبر على محال الحطب في مناطق عديدة بدمشق وريفها، تبيّن أن سعر كيلو الحطب يبدأ من 1200 وصولاً إلى 2500 ليرة سورية، ويختلف سعره بحسب نوع خشب الأشجار، ولكن الأفضل للاحتراق هو الزيتون، بحسب قول البائعين.
وفي معادلة بسيطة تحتاج العائلة لأكثر من طن في الموسم الشتوي الواحد، حيث يبلغ سعر الطن الواحد مليون ومئتي ليرة سورية على أقل تقدير في ظل زهد كبير في الرواتب والأجور وصعوبة الحياة المعيشية.
وأكد مدير الحراج أن “سعر الحطب وفق تسعيرة الوزارة 500 ليرة للكيلو غرام الواحد، أي 500 ألف ليرة للطن الواحد ومن الممكن لأي مواطن شراؤه من مراكز الحراج الموجودة في المحافظات”.
وأوضح “ثابت” أن “كميات الحطب الموزّعة ناتجة عن تحسين المجموعات الحرجية، حيث يتم تقسيمها وبيعها بـ 1 طن لكل مواطن، ولكنها غير كافية لتغطية كامل احتياجات المجتمع للتدفئة”.
“انقراض أنواع مثمرة”
أكد “ثابت” أن “العمليات التي تتم بشكل عشوائي سواء قطع الأشجار الحراجية أو قطع الأشجار المثمرة ضمن الأراضي الزراعية أو التعدّي على حراج الدولة ينتج عنها خلل في النظام البيئي الحراجي وبالتالي خلل في التوازن الذي ينعكس على التنوع الحيوي، وهو مصدر للأمن الغذائي للإنسان”.
“وأي نوع نباتي أو حيواني يؤكل له مصدر طبيعي أوبري، أي التعدّي على الأشجار وقطعها يؤثر بشكل سلبي على هذا التنوع من خلال فقدان أنواع كثيرة بعد أن تعرّضت للانقراض، وهذا ما حصل، مؤخراً، وهو أمر خطير”، بحسب “ثابت”.
قطع الأشجار يقضي على البيئة
قال “ثابت”: “هناك تأثير كبير على المناخ المحلي من خلال فقدان الأشجار التي تعطي الأوكسجين وتلطّف الجو وتخفّض ثاني أكسيد الكربون وتخفّف الغبار وتنقي الهواء”.
“كما لهذه الظاهرة تأثير على المياه الجوفية لأن الغابات تعمل على فلترة المياه وتسهّل عملية الترشيح إلى التربة، وبالتالي وصولها إلى المياه الجوفية، وصولاً إلى هدر المياه وتصريفها دون الاستفادة منها”.
إخلاء المنازل بسبب فقدان الأشجار
“هناك جانب لا يقل أهمية عمّا سبق وهو تعرّض التربة للانجراف، فعند قطع الأشجار تتعرّى التربة وأي عملية هطل للأمطار وخصوصاً أنها غزيرة تؤدي إلى انجرافها لعدم وجود غطاء نباتي”.
وأكد “ثابت” أنه “بعد حرائق 2020 شهدت سوريا عمليات انهيار للتربة في مناطق الحريق، وأثرت على التجمعات السكنية المجاورة وشوهدت حوادث سكنية في إخلاء مواطنين لمنازلهم وقراهم بسبب هذه المشكلة”.
وبات المواطن السوري يقطع الأشجار الخضراء في الأراضي المثمرة أو الحراجية لكي يحظى بكم “حطبة” يدفىء فيها جسده هو وعائلته، متحديّاً قسوة الحياة بهدف البقاء رغماً عن أنوف الجميع حتى لو كلّفه ذلك حرق “الأخضر واليابس”.
كلير عكاوي – تلفزيون الخبر