“آنجيلا” ترنّم “ليلة الميلاد تُدفن الحرب”.. فأي ميلاد ينتظره السوريين؟
في كل ليلة تراقب رؤى (34 عاماً) ابنتها “آنجيلا” التي وصلت للعاشرة من عمرها، قبل خلودها إلى النوم، وهي ترنّم “ليلة الميلاد يمّحى البغض وتزهر الأرض وتدفن الحرب” باعتقاد منها أن سوريا ستولد من جديد عند تكرار كلماتها هذا العام.
ولم تكن “آنجيلا” الوحيدة التي تنتظر ميلاد سوريا من جديد، بل لطالما انتظر السوريون في كل عام العودة إلى الفرح وزراعة المحبة ونشر الآمال وتحقيق الأحلام التي ضيّقتها الحرب وخنقت محاولاتهم في كل مرة يقفون فيها ويصمدون ويحاولون النهوض من جديد رغم آلامهم.
ولكن أي ميلاد ينتظره السوريين؟ وهم يركضون منهكين ومتعبين من أحمالهم التي باتت أشبه بحجار “الصوّان” على ظهورهم، وهم يسعون للحصول على حقوقهم وتأمين حاجاتهم الأساسية، وأي هديّة يترقّبون؟ فربما ينتظر العطشان كأس ماء والعريان ثوب حب في أيام الميلاد.
وماذا عن “بابا نويل”؟ تسأل “آنجيلا” الذي يعود معنى اسمها إلى (ملاك): “هل سيزور بيوتنا بابا نويل هذا العام؟ كيف سنترك الرسائل على الشجرة ليجلب لنا الهدايا وأقلّ هدية سعرها 35 ألف ليرة سورية كما تقول أمي، ربما سنحرج أبّهاتنا وأمّهاتنا بهدايا هذا العام مع العيديّة”.
وتقول ربة المنزل “رؤى”: “في أيام الصغر كان الحذاء الجديد والجوارب الحمراء والفستان “الكارو” مع العقدة الحمراء والشعر الملفوف هو أكبر الأفعال التي كانت تتغنّى بها عائلاتنا والآن عندما أصبحنا أمّهات أفعالنا تدور حول الحجج والبدائل لإسعاد أطفالنا وتحقيق رغباتهم في الأعياد”.
وعن كلمة “البدائل” التي أخذت من حياة السوريين الكثير لإرضاء النفس أو العائلة أو ربما كرغبة في البقاء، فبدلاً من حلويات الميلاد والشوكولا وأكلة “اليبرق” و”الكبة”، ستصنع العائلات هذا العام خبزاً كفافا يومها، وتقول: “المجد لله في العلى.. شكراً على نعمك يارب”.
ولم تقتصر الاختصارات على المأكل فقط، بل طالت شجرة الميلاد المنطفئة، حيث باتت حزينة دون إضاءة ومابقي منها غير أمنيات السوريين معلّقة مع الكرات والأجراس والنجوم وحتى تجسيد مغارة “السيد المسيح” عليه السلام باتت متواضعة جداً في تزينها نسبة لغليان الأسعار في ظلّ تدهور كبير في الأجور.
ولكن رغم كل الظروف، لم تفقد الأشياء رمزيّتها حتى الآن مثلما تراجعت طقوسها، فمازالت شجرة السّرو تشير إلى الحياة والقوة، والنجمة المضاءة فوقها التي هدت المجوس لنور الطفل “يسوع” عند الولادة.
ورمزت الألوان أيضاً لمعان كثيرة، فإن الأحمر يدل على الألوهة والمجد، والأصفر يوحي بالفرح، أما شخصية “بابا نويل”، فإنها تعود للقديس “نيقولاوس” وجاء معنى الاسم باللغة العربية “النصر”.
وكان “نيقولاوس” أسقف في منطقة “ميراليكيا” الواقعة في “ليقيا – الأناضول – تركيا حالياً، وبات يوزّع للأطفال المحتاجة كل ما يلزمهم دون التعريف عن هويته، علماً أن الهدايا وشخصية “بابا نويل” ترمز إلى العطاء، كما جاء في الكتب.
وتعتبر المغارة جوهر الميلاد لأنها تحتوي على مزود “السيد المسيح” عليه السلام أمام الرعاة والحيوانات والتي تتواجد في منازل المسيحيين بالميلاد، علماً أن أول عمل لتجسيد مغارة كان للقديس “فرنسيس الأسيزي” عام 1223م.
ورمز “الرعاة” في المغارة لفئة البسطاء والفقراء في تلك الأيام، أما المجوس هم فئة المتعلّمين والأغنياء، ووجود الثور رمز للغذاء المادي، أما الحمار فهو صاحب الصبر ووسيلة النقل الأساسية، والخروف وسيلة للغذاء، إضافة إلى الملائكة التي ترمز إلى حضور الله الفعّال.
وميلاد “المخلّص” كما يصفه المسيحيون يصادف في 25 كانون الأول من كل عام في ذكرى بشارة ملائكة الفرح والمحبة بميلاد المخلّص كما ورد في إنجيل “لوقا 2: 10-12”.
واختار التقليد المعتمد لعيد الميلاد المجيد في أورشليم إحدى المغائر مكاناً لولادة “يسوع”، وعلى أساس ذلك شيّدت كنيسة المهد في “بيت لحم” الذي يأتي معناها عند الآراميين “بيت الخبز”.
وبمختلف الأديان والطوائف كسوريين مؤمنين مازالو يصلّون ويصومون على طريقتهم في جميع الأعياد المجيدة باعتبارهم أنها ملاذاً لخلاصهم، وينتظرون سماع صوت العيد وهلهلة الفرح والمواعيد، “واللعب طايرة ويضحكوا الولاد وأرضنا مثلما قالت السيدة فيروز رح تبقى ناطرة”.
كلير عكاوي – تلفزيون الخبر