رافقَ الخشبَ نصف قرن من الزمن..أبو شادي أقدمُ نجاري مدينة حمص
العطر هنا من نوع آخر مميز، كيف لا وما يميز أفخم العطور المطعمة برائحة الخشب أنها من العطور الثابتة، وتحتوي على روائح عبقة وتدوم طويلاً مثل خشب الأرز، والصندل، والباتشولي، والعنبر، والعود.
يقف مكتوفَ اليدين، ممعناً نظره بتركيز كبير على أبواب ٍ مصطفةٍ داخل ورشته بحي المهاجرين في مدينة حمص، بنظراتٍ توحي بملل وحسرة من طول انتظار الكهرباء.
“يلعن أختا طولت”، بعبارةٍ فكاهية مليئة بالحزن، يبدأ أبو شادي حديثه لتلفزيون الخبر عن حالهِ التي تلخّص حالة عامة ً يعاني منها النجّارون كما كل المهن والصناعات ،خاصة تلك التي تعتمد على العنصر البشري.
“الكهربا وبس”، يقول أبو شادي، هي العامل الرئيسي المتحكم بانعكاس هذه الأخشاب على وضعي الإقتصادي، فبدونها لن تدور المكنات وتتشكل الأبواب والشبابيك، وكما تعلم بتنا نراها نصف ساعة فقط كل 6 ساعات وهذا واقع غاية في السوء”.
يستكملُ العم الستينيّ حديثه عن حرفة النجارة التي زاولها و مايزال منذ أكثر من 45 عاماً، قائلاً “بدأت ممارسة الحرفة منذ أن كانت فتىً في العشرين من عمري، ومازلت رغم بلوغي/66/ عاماً أهوى المسامير ومسك الجاكوش، فالخشب صار جزءاً مني ورائحته تسكن أنفي”.
“العمر الو حقو أكيد” يقول أبو شادي، لا أخف ِ عليك أن العمل يصبح أصعب مع التقدم بالعمر، إلا أنه ما من وقت للإستراحة والتعطل في ظل الأوضاع الإقتصادية الصعبة”.
يتحدث أبو شادي عن حال هذه المهنة وهو يوضب بعض أكياس نشارة الخشب بأكياس واقفة أمام الباب، “أسعار الأبواب نار، تصل للملايين، وككل المواد تتراوح وتتفاوت حسب النخب والدرجة المصنوعة منها”.
ويضيف “ارتفاعٌ جنوني أصاب أسعار الخشب، الآلات قديمة واستخدام المولدات مع ارتفاع سعر لتر البنزين، كلها عوامل أثرت على نشاط هذه المهنة، حيث بات الوضع مأساوياً وتراجعت حركة الشراء إلى الحدود الدنيا”.
“كلو ترقيع وتسكيج، الناس ما معا مصاري” كما يشرح أبو شادي، فمعظم الزبائن يأتون بباب أو شباك أو خزانة تحتاج بعض الإصلاحات الخفيفة التي لا تكلفهم الشيء الكثير”.
يملأ كيساً بالنشارة، وهي قشور ناعمة خفيفة من مخلفات العمل يسفيد منها أصحاب محال الفروج حيث توضع تحت الصيصان وأمهاتها، لتمنح بعض الدفء خلال فصل الشتاء.
يقول أبو شادي لتلفزيون الخبر : أحاول الإستفادة من كل شيء متوفر في المنشرة ومنها هذه النشارة التي توفر مبلغاً لابأس به من المال، مع تراجع ساعات العمل وقلة الطلب على مستلزمات البيوت من الخشب بسبب قلة حركة الإكساء، وتوجه الغالبية العظمى لشراء المستعمل”.
وما إن لمع بريق أول لمبةٍ بيضاء فوق رأسنا حتى طلبنا المغادرة مع قرع جرس نصف الساعة الثمينة من الكهرباء، وضحكة أبو شادي ترافقنا بينما ما زلنا نسمع حديثه خلسةً لأحد أقاربه على شرفة المنزل أن “التلفزيون معجب بشغلي وصوروني”.
عمار ابراهيم_ تلفزيون الخبر_ حمص