العناوين الرئيسيةمجتمع
صحيح صحن الفول بحلب صار من ذكريات الماضي؟
أصبحت لمّة العائلة السورية في مدينة حلب ذكرى من ذكريات الماضي الجميل، الذي حمل في طيّاته الفرحة والبسمة والسرور، ففي السنوات السابقة كانت مائدة الإفطار التي تحضّرها “الأم” تجمع كل أفراد عائلتها حولها في يوم عطلة الجمعة الرسمية.
وكان طبق الفول الشعبي بنوعيه “بالطحينة والحمض” الطبق الرئيسي والضيف العزيز على الطاولة، ويبعث برائحته الألفة ولهفة الاشتياق، لكن ظروف الحياة الاجتماعية والاقتصادية لم تعد تلك البهجة لهذه الطقوس، فبدأت تتلاشى هذه العادات والتقاليد عند آهالي مدينة حلب.
ولا تزال العائلة السورية تهتم بلمّة العائلة مع بعضها لتناول وجبة إفطار يوم الجمعة، وبدوره، أوضح المحامي والباحث علاء السيد لتلفزيون الخبر، أنه “حالياً الظروف الاقتصادية يلي عم نمر فيها هي أحد أسباب لياب هذه الطقوس يلي اعتدناها في حلب”.
وأضاف “السيد” أنه “المشكلة اللي صايرة بالوقت الحالي إذا كان شخصين أو تلاتة كحد ادنى، بدن بعشر ألاف وجبة فول، وكمية قليلة يعني بكيس صغيَّر”.
وتابع السيد “بالإضافة بدن جنبه حوالي ثلاثة مئة غرام من زيت الزيتون البلدي ويلي حقن خمس آلاف ليرة، وما تنسى البصل والثوم والتوابل الأساسية، وبالتالي أكلة “الفول الدرويشة الفقيرة” صارت تكلفنا عشرين ألف ليرة، في حال بدك يكون فطور مرتب، بدك خضرا جنبه نص كيلو فليفلة وبندورة وخلافه، بهي الحالة صارت أكلة الفول وجبة صعبة على الفقراء”.
الفول.. طبق رئيسي على المائدة الحلبية
قال المحامي “السيد” بحسب رأيه لتلفزيون الخبر: “أنا برأيي اكلة الفول تقيلة والواحد مننا لما بياكل فول بحس حاله تعبان وبحاحة لقيلولة بعد الأكل لهيك اختارت العيلة يوم العطلة منشان تتناول هالوجبة”.
وتابع “السيد” لتلفزيون الخبر: “إلى أن وجبة الفول تحتوي على الكتير من الفوائد الصحية والمتتمات الغذائية الكاملة، فالعائلة الفقيرة بتلجأ لوجبة الفول، وتعد من الأطباق الرئيسية الصباحية على سفرتهن، وأرخص بكتير من اللحوم والدجاج، وأكلة الفول الشعبية بتتوفر فيها كل العناصر الغذائية منها البروتينات بالإضافة للدهون اللي بضيفها زيت الزيتون البلدي”.
وأضاف “السيد” بأن “الخبز عنصر أساسي جنبها لأنها أكلة شعبية ويلي بتوفر فيو كمان “الكربوهيدرات”، بالإضافة للكمون يلي بساعد على التخلص من “النفخة الغازية” يلي بسببها الفول كونه وجبة تقيلة”.
ومن جهتها، علقت “أم مصطفى” وهي ربة منزل (56 عاماً) ساخرة حول اجتماع العائلة يوم، وقالت لتلفزيون الخبر: “أينا جمعة واينا لمّة، الله وكيلك يا دوب عم نشوف بعضنا على التلفون اتصال فيديو يعني، خاصة أن أغلبية ولادنا وأحفادنا سافروا بعد الحرب”.
وأكملت “أم مصطفى”: “بهي الظروف يلي عايشينا صرنا نفكر شلون بدنا نأمّن لقمة بكرا، بقى شلون إذا بدي أعزم يوم الجمعة الناس لعندي على أكلة الفول، صارت مكلفة جداً يعني ما عندي استطاعة مالية كافية”.
وبدوره قال الشاب “محمود” الذي يعمل شوفير ميكرو باص والبالغ من العمر 23عامًاً لتلفزيون الخبر: “أنا المعيل لأهلي لأنو والدي رجل مسن وما بقدر يشتغل وعندي خمس أخوة، فعم أشتغل على السرفيس إلى جانب دراستي الجامعية على خط المدينة الصناعية هون بحلب”.
وتابع “محمود” بالقول: “بالنسبة لألي ما عندي عطلة لحتى نجتمع انا وأهلي لأنو شغلي أهم، والشغل بياخد كل وقتي من الصبح للمسا، يعني مشاغل الحياة وظروفنا اليومية عم تخلينا ننسى كتير عادات نحن كتير بنحب انو نعملها بس للأسف الشديد هاد الواقع المرير خلانا كل شخص ملتهى بشغله وبهمومه لهيك ماعاد اهتمينا بعادة فطور لمة افراد الاسرة”.
الثاني: الفول المنزلي أو فول “الفوال”؟
قالت “آمل” البالغة من العمر 32 عاماً، لتلفزيون الخبر: “أكيد بفضّل أطبخه في البيت لأنو بالنسبة النا أوفر وأقل تكلفة، ما قدرتنا نشتري فول جاهز للحقيقة لان عندي اربع ولاد، وجوزي بيشتغل بيّاع خضرا يعني هو لحاله يادوب عم يأمّن مصروف المعيشة الصعبة”.
وأكملت “أمل”: “فأنا على مدار الشهر بصمّد من مصروفنا اليومي وبكل مرة بشتري شغلة من مكونات الفول يعني، مرة اشتري شوية “حب فول يابس” ومرة شوية زيت.. يعني بس اكتملت المكونات بحضّر الفول لولادي، يعني ما ضل التزام متل ايام زمان بسبب غلاء سعر صحن الفول ومكوناته، يعني بالشهر ازا حضّرته مرة بكون كتير كويّس”.
وبالرغم من كل الظروف الاقتصادية الجائرة، وظروف الحياة الاجتماعية وانشغالاتها إلا ان هناك بعض العوائل في سوريا، مازالت تهتم بهذه الطقوس حتى هذا اليوم.
ويشار إلى أن تاريخ الفول (المدمّس) يعود إلى رجلٍ يوناني يدعى” ديموس” الذي عاش في مصر القديمة، وكان صاحبًا لإحدى “حمامات السوق” العمومية التي كانت تعتمد على حرق بعض المخلفات، وذلك في مستودع خلفي لتوليد الحرارة من أجل تسخين المياه عبر بواسير معدنية.
وفكر “ديموس” بأن يستغل هذه الحرارة، حيث وضع قدر من الفول وتركه حتى ينضج، ثم نتج عنه طبق فول لذيذ الطعم سمّاه الناس فول مدمّس، نسبة “لديموس” صاحب فكرة طبق الفول.
وانتقل طبق الفول إلى السودان ثم إلى بلاد الشام “دمشق” ومدينة حلب هي الأكثر شهرة لطبق الفول “المدمّس” حيث أصبحت مقصداً للسيّاح من الداخل ومن الخارج، ليتذوّقوا طعم خلطة الفول السحرية، ويرتبط أسم “ابو عبدو الفوال” بهذه المهنة ويعد رمزاً للعاملين بها.
محمد الحسين _ تلفزيون الخبر _ حلب