دراسة محلية تنجح بحصد المياه العذبة من الهواء ولم تحصل على براءة اختراع
نجحت دراسة محلية حديثة لنيل درجة الدكتوراه في المعهد العالي للبحوث البحرية في جامعة تشرين بإيجاد تقنية لحصد المياه العذبة من الهواء، وبتكاليف بسيطة جداً، في محاولة لإيجاد حلول بديلة لقضية “المياه”، باعتبارها واحدة من أهم التحديات التي تواجه البشرية، مؤخراً.
أصالة البحث
حول هذه الدراسة، أوضح اختصاصي الكيمياء البحرية والتلوّث، الدكتور مجد خليل، وصاحب البحث، لتلفزيون الخبر، أنه: “يعد هذا البحث الأول من نوعه في سوريا، كما أن المادة المستخدمة مصنعة محلياً (موضوع براءة الاختراع)، والجهاز المستخدم أيضاً مصمم ومصنع باستخدام تقنيات محلية، وأخرى مستوردة (شرائح بلتيير)”.
وأضاف “خليل”: “لم نجد أي أبحاث مشابهة له محلياً أو إقليمياً تستخدم مركبات الأطر العضوية المعدنية في تطبيقات حصاد المياه”.
ما الجديد؟
بيّن الباحث أنه: “تمكنا من تصنيع مركب جديد (إطار عضوي معدني) يرتكز على المنغنيز في بنيته الأساسية، وهو تعديل وتطوير على أحد المركبات المصنعة في الولايات المتحدة، والمستند على الزركونيوم غالٍ الثمن، بالتالي هناك مركب جديد، بكفاءة أفضل نسبياً، وأقل تكلفة بأضعاف، ومصنّع محلياً، ويقوم بذات الوظيفة”.
وتابع “خليل”: “بالإضافة إلى تصنيع وتصميم جهاز خاص توضع ضمنه المادة، ومزوّد بتيار كهربائي مصدره دارة كهربائية تعمل على الطاقة الشمسية والبطارية، يؤمن إخضاع المادة لدورات حصاد متتالية (امتصاص مياه – تحريرها – تسييلها – جمعها)، وفق توقيت زمني محدد بشكلٍ مسبق”.
صعوبات وتحديات
وحول الصعوبات التي واجهها، أجاب “خليل”: “كانت أكثر من أن تُذكر، أبرزها غياب الأسس العملية والتخصص المطلوب، بالإضافة إلى غياب التقنيات اللازمة لهذه النوعية من الأبحاث، وضعف التمويل”.
“تمويل البحث 0 ليرة”
وأضاف “خليل”: “بدايةً تمّ تمويل البحث بصفر ليرة سورية، باعتبار أن البحث من خارج التوجّه العام للمعهد، وبعد الارتفاع الجنوني في الأسعار، رفعنا طلب إعادة تمويل، وتمّ تمويله بـ100 ألف ليرة (لم استلم منها ليرة واحدة)، وهو بالمناسبة لا يكفي لشراء عبوة مذيب عضوي واحدة أو تغطية ربع أجور النقل”.
وتابع الباحث: “ناهيك عن غياب الأجهزة الحديثة والتقنيات اللازمة داخل الجامعات، واضطرارنا للتحليل على حسابنا الشخصي لدى جهات أخرى دخل سوريا (هيئة الطاقة الذرية) وخارجها”.
هل من جدوى اقتصادية؟
وحول الجدوى الاقتصادية، قال “خليل”: “الأهمية في المادة المعني بها البحث وهي الماء، ولا اعتقد أنه هناك مادة على وجه الأرض أهم من الماء العذب، وهنا نجد مفاضلة بين أهمية الماء والجدوى الاقتصادية للحصول عليه”.
وتابع الباحث: “قد لا توجد جدوى اقتصادية كبيرة حالياً، لكن في حال حصول شح للمياه وفقدانه، كم من الممكن أن يدفع الإنسان لقاء ليتر واحد من المياه؟ وبالرغم من ذلك، فإنه في حال تمّ تبنيه من جهات اقتصادية وتطويره وتحديثه يمكن الحصول على الماء العذب بالسعر الذي نشتريه من السوق”.
وعن جهة يمكن أن تتبنى البحث، بيّن “خليل”: “داخل سوريا، لا توجد جهة مؤهلة لتبني هكذا مشروع، وخصوصاً في ظل الظروف الحالية، لا من حيث الكوادر العلمية ولا من حيث التمويل اللازم، ونأمل بأن توجد هكذا جهة مستقبلاً، فلا نيّة لدينا لعرضه على أي جهة خارج سوريا، فهي الغاية والهدف وإليها الإخلاص في العمل”.
وأوضح أستاذ الكيمياء في المعهد العالي للبحوث البحرية في جامعة تشرين، الأستاذ الدكتور أحمد إبراهيم قره علي، والمشرف على البحث، لتلفزيون الخبر، أن: “احترار الأرض أصبح محسوساً أكثر وبشكلٍ مباشر من خلال الظواهر الجوية المتطرفة والمتكررة، ما يجعلنا في مواجهة العديد من التحديات في هذا العصر، وأهم هذه التحديات الماء ومن هنا تأتي أهمية البحث”.
وتابع “قره علي”: “فالإنسان يواجه تحدّي تناقص متزايد للمياه العذبة لأسباب متعددة أهمها تزايد الطلب عليها نتيجة الزيادة في عدد السكان، وزيادة الأنشطة البشرية من جهة، وتراجع نوعيتها بسبب تلوّث مصادرها من جهة أخرى”.
وأضاف الأستاذ الجامعي: “وبدا يظهر سبب أخر هو الارتفاع في درجة حرارة الأرض، وهذا ما يساهم في زيادة التبخر في الماء من الأرض، بالتالي زيادة في تناقص نسبة الماء في المسطحات المائية (أي زيادة نوعاً ما للشكل الغازي للماء على حساب شكله السائل)، حيث يشكّل الماء في الحالة البخارية 10% من كمية المياه العذبة في الارض”.
وبيّن “قره علي”: “من هنا جاءت فكرة البحث وهو إيجاد طريقة لحصاد المياه من الهواء الرطب، تعتمد على الحلول التقنية والعلمية، بعيداً عن الحلول الكلاسيكية التي كانت مُتبعة في السنوات السابقة”.
وأضاف الأستاذ الجامعي: “تمّت دراسة المعقد الذي قمنا بتصنيعه ودراسة ثباتيته الحرارية واستقرارية عمله بدرجات حرارة متفاوتة حتى 65 درجة مئوية، كما تمّت دراسته في مناطق مناخية مختلفة ساحلية، داخلية، وصحراوية، وكان عمله جيداً واستطاع تجميع 70% من وزنه ماء، وهذا إنجاز متميّز”.
براءة الاختراع بين أخذ ورد!
وعن سبب عدم منح البحث براءة اختراع، أوضح الدكتور مجد خليل: “تقدّمنا بطلب براءة اختراع في تشرين الأول 2019، وبقي الموضوع تائهاً بين أروقة وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك وكلية العلوم في جامعة دمشق حتى بداية العام 2022”.
وتابع “خليل”: “وبعد أخذ ورد ومطالبات بتحديد مصير الطلب، جاء الرد من قبل الوزارة بناءً على كتاب كلية الزراعة في جامعة دمشق أن البحث لا يستحق براءة اختراع لكونه غير أصيل، ولا يوجد فيه تحديث”.
“اتهامات..؟!”
وأضاف صاحب البحث: “لا أريد الرد في هذه النقطة سوى ببعض كلمات، أن اللجنة المعنية في البت بطلب براءة الاختراع لا من حيث الجهة أي (كلية زراعة) ولا من حيث الاختصاص العلمي للسادة أعضاء اللجنة المعتمدة مؤهلة للبت فيه”.
وأردف “خليل”: “طبيعة الردود الواردة في كتابهم تبيّن بما لا يقبل الشك أنها جاءت بعد مطالعة سريعة على الإنترنت على موضوع الطلب، وبالتالي جاءت مليئة بالأخطاء والمغالطات العلمية، وسطحية لم تدخل في عمق الموضوع”، على حد تعبيره.
الجدير بالذكر أن العالم اليوم ولا سيما الولايات المتحدة والصين توليان اهتمام واسع وترصدان ملايين الدولارات لحصاد المياه العذب من الهواء بتقانات مشابهة، كون الهواء أصبح المورد الرابع للمياه بعد المياه الجوفية، السطحية، والأمطار بحسب المشرف على الدراسة الدكتور “قره علي”.
يُشار إلى أننا نُعاني من فجوة كبيرة ما بين الجامعات والمجتمع، وتكاد نسبة الاستفادة الفعليّة مما ينجز من دراسات علمية لا تُذكر، بالرغم من أن العديد من الأبحاث الأكاديمية مهمة جداً وكل ما تحتاج هو تسليط الضوء وتبنيها من قبل هيئات ومراكز علمية بغية تحقيق الفائدة العامة.
شعبان شاميه – تلفزيون الخبر