“البرغل بالحمص”.. فلكلور ساحلي جميل ينتعش خلال الأعياد
تميّز الساحل السوري منذ القديم بمأكولات شعبية تفرّد بها، والتي تعتمد بالدرجة الأولى على المنتجات المتوفّرة في المنطقة، وباتت من التراث الشعبي الخاص بأهالي الساحل، وفي مقدمة هذه الأكلات البرغل بالحمص والمعروفة بـ”بسامير الركب”، والتي ترتبط بالأعياد والمناسبات إلى حد كبير، وتضيف قيمةً لها.
وبمرور السنوات وانتشار أكلات جديدة، حافظت “البرغل بالحمص” على مكانتها الخاصة وتميّزت بحضورها على موائد الأغنياء والفقراء، لما لها من قيمة غذائية كبيرة، ومؤخراً أصبح البرغل مطلوباً بكثافة بعد أن شهدت أسعاره ارتفاعات غير مسبوقة، نظراً لعوامل عدة.
ويقوم الأهالي في الأعياد بتحضير كميات كبيرة من “البرغل بالحمص” ويوزعونها على الفقراء والمحتاجين، في تقليد أعطى نكهة خاصة لطقوس العيد في قرى ومدن الساحل السوري.
وقالت السيدة أم محمد (62 عاماً) من قرية “العصيبة” بريف بانياس، لتلفزيون الخبر، أن: “أفضل الطرق لتحضير البرغل بالحمص هي سلق لحم الخاروف أو العجل أو الفروج حسب المتاح والمتوفّر مع الحمص في الماء بدايةً، مع إضافة بصلة، إكليل الجبل، ورق الغار، قشرة ليمون جافة، والملح”.
وأضافت “أم محمد”: “نوعية اللحوم المستخدمة تختلف باختلاف الأذواق والحالة المادية لكل شخص أو عائلة، والغالبية اليوم يستخدمون الفروج، مشان ما قول (أشباه الفروج) نتيجة الظروف اللي وصلنا إلها”، وتتابع: “للحقيقة أنا بشوف الفروج هو الأنسب و الأطيب.. وبيلبق للبرغل بالحمص”.
وتابعت “أم محمد” حول طريقة التحضير: “بعد حوالي ثلاث أرباع الساعة نصفّي الماء والحمص المسلوق ونضع اللحم جانباً حتى يبرد، ونعيد الماء الساخن والحمص إلى المقلي، ويوضع فوقه البرغل بعد غسله وتنقيته بشكلٍ جيد”.
وبيّنت “أم محمد” أن: “مدة الطهي تستغرق حوالي الساعة تقريباً، ويجب أن نتجنّب تعرّض المقلي لنار قوية تؤدّي إلى احتراق أو (تلزيق) البرغل في أسفله، وقبل أن ينضج بشكلٍ كامل نزيح النار من تحت المقلي.. ونترك البرغل قليلاً من الوقت ليتهبّل”.
وختمت “أم محمد” حديثها لتلفزيون الخبر حول مراحل تحضير هذه الأكلة “المعتبرة” بحسب وصفها: “نضع البرغل بحمص في أواني التقديم وعلى سطحه اللحم المقطع بعد إضافة زيت الزيتون، ويحبّذ استخدام زيت (الخريج) وهو زيت زيتون أيضاً معروف في قرى الساحل السوري، ويتميّز بطريقة تحضير خاصة”.
يُذكر أن إعداد أكلة البرغل بالحمص عدا عن أنها مرتبطة بالعادات والتقاليد الشعبية الموروثة في الساحل، فإعدادها مرتبط بـ”المقلي الفخار” وهو إناء مصنوع من التراب الأحمر النقي ويعطي لأي أكلة تُطهى به نكهة مميزة وخاصةً على نار الحطب، وفقاً للباحث في الموروث الشعبي نبيل عجمية.
يُشار إلى أن عمر “المقلي” يزيد على 8 قرون ويعد من أقدم الأدوات المستخدمة في قرى الساحل السوري، ويضفي على الطعام نكهة الأصالة، كما أن أغلب سكان القرى الساحلية يأكلون البصل اليابس أو الأخضر مع البرغل بالحمص مستخدمين معالق خشبية وصحون فخار، والتي تسمّى باللهجة المحلية “الغضارة”.
وحول مدى الحفاظ على هذه العادات، قال العم أبو حسين (70 عاماً) من ريف جبلة، لتلفزيون الخبر: “أستطيع أن أوكّد لك أن هذه الأكلة لا تزال حاضرة بالأيام العادية ويعتمد الناس عليها إلى حد كبير، بس كل حدا ع قدّو وحسب الإمكانيات المتوفّرة”.
وأضاف العم “أبو حسين”: “وكذلك الأمر خلال فترة الأعياد، لا يزال هذا الطقس حاضر بالرغم من الظروف الاقتصادية القاهرة التي تعصف بنا، إلّا أن نوعية اللحوم المستخدمة وكمياتها تختلف من عائلة لأخرى وفقاً للظروف المادية وقدرات كل بيت، لكن المُلفت الحفاظ على هذه العادات وعدم التفريط بها”.
وقال رامي (42 عاماً) صاحب مطعم بريف بانياس لتلفزيون الخبر، أن: “أكلة البرغل بالحمص على الحطب عادت إلى الواجهة مجدداً بعد أن استرجع الناس طيبتها وقيمتها الغذائية مقابل الكثير من الأكلات الحديثة، هذه الأكلة التراثية تمّ إحياؤها مع مجموعة أخرى تعتمد كلها على الحطب، الذي عدنا لاستخدامه بعد أزمة المحروقات الخانقة التي نعيشها”.
وأشار “رامي” إلى أن: “المطاعم وجدت في البرغل بالحمص فرصة لتسويق أكل تراثي للزبائن، وفي نفس الوقت تقديم شيء مختلف من المطبخ السوري والساحلي تحديداً، ليصبح البرغل على الحطب أكلة تقدّم في كثير من المطاعم السورية ويرغبها الناس”.
تجدر الإشارة إلى أن مختلف المواد الغذائية تشهد ارتفاعاً غير مسبوق في الأسواق السورية حيث وصل سعر كيلو البرغل عتبة 6 ألاف ليرة والحمص يتراوح بين 6000 إلى 8500 ليرة، حسب حجم الحبة.
ومهما اختلفت ثقافات العيد بين المعمول والبرغل بالحمص، والملابس الجديدة، فإن هناك اليوم من لا يعرفون أي من هذه الطقوس، جيل كامل لا يعرف من الحياة سوى الشارع، الحرب، والفقر.. ذلك الجيل ربما سينجب جيلاً مشابهاً حين يكبر، فهل سينقرض العيد يوماً؟.
شعبان شاميه – تلفزيون الخبر