الفنان أحمد الصوفي.. الحب والحرب والتصوّرات التشكيلية
يُعرّف الفن التشكيلي بأحد أوجهه بأنه ذلك النوع من الفنون الذي يعبّر الإنسان من خلاله عن مشاعره وأفكاره بتجسيدها كأشكال على سطح ما أمامه، معتمداً على تصوّراته وخياله وحرفيته وبصمته لإظهار المعاني التي يريدها وتبيانها بالشكل الفنّي الذي ينشده، وهذه رؤية الفنان التشكيلي أحمد الصوفي في أعماله وتصوّراته.
والفنان أحمد الصوفي خرّيج كلية الفنون الجميلة تخصص تصوير زيتي، وهو الآن أستاذ في المعهد العالي للفنون المسرحية في دمشق مادة “السينوغرافيا” أو التصميم المسرحي، وأستاذ في معهد الفنون التطبيقية أيضاً في دمشق.
وعن تجربته يقول الصوفي لتلفزيون الخبر: أقمت العديد من المعارض الشخصية داخل وخارج سوريا إضافة إلى المعارض الجماعية أيضا داخل وخارج سوريا، إضافة إلى ملتقيات فنية بمشاركة فنانين من انحاء العالم، في سوريا ولبنان واليونان والعراق وبولندا .
ويتابع “أتيحت لي من خلال المشاركة في المعارض الإطلاع على تجارب فنية حية لفنانين جاؤوا من مختلف أنحاء العالم، كما تعرّفت على مكانة التشكيل السوري في خارطة التشكيل العالمي، وأعتقد له مكانة متقدمة جداً لولا المعوقات التي يتم وضعها أو نقوم بتكريسها يوما بعد يوم”.
وعن تعريفه للفن يذكر “الصوفي”: الفن هو بحث عن روح الحياة والإنسان والطبيعة، وتأصيلها ضمن نمط فني معين وهي قد تكون تصوّرات كبرى عن الكون واسراره، بدءا من النقطة أو بمعنى آخر أصغر مكوّن له حتى أوسع أبواب الكون تمدداً.
ويتابع “هذا يخضع للمعرفة والخيال معاً، ومن هنا يستنفر الفنان كل طاقاته ليقوم بالتعبير عن عوالمه التي يكتنزها، من خلال اللون او الكتلة (نحت) أو بالموسيقى أو الكتابة، إذاً ما تختزنه من خبرة ومعرفة وثقافة ومشاعر هي واحدة، وتختلف لغة التعبير وإخراجها للمتلقي”.
ويضيف “الصوفي”: الفن هو أحد العوامل الأساسية التي رافقت الإنسان منذ النشأة الاولى للوعي الفردي والجماعي، فهو مساهم أساسي تاريخياً في تشكيل هوية الفكر واللغة وتدوين التاريخ في مراحل ماقبل الكتابة، حتى المرحلة المعاصرة حيث أخذ اشكالاً مختلفة متفردة ومتنوعة.
ويكمل “الصوفي”: “الفن انعكاس حقيقي لنفسية الإنسان، وتمتد خارجه لتوصل رسائله وأحلامه وانفعالاته وموقفه من الحياة والمجتمع”.
وعن الهوية الفنية يقول “التأثيرات التي لعبت دوراً في تشكيل هويتي الفنية هي عديدة منذ بداياتي والمرحلة الجامعية، فكان السحر للرسم الواقعي الأكاديمي، المتمثل بفناني عصر النهضة وما تلاهم من كلاسيكية حديثة او إنطباعيين ورواد الإنطباعيين”.
ويتابع “الصوفي”: في مرحلة البحث عن الهوية، بعد التخرّج كان ل”فان غوغ”، والتعبيريين الألمان دوراً مهماً لما تحمله طاقة اللون والخط والإنفعال العفوي المباشر من قدرة على إخراج ما يعتمل في داخلنا من إنفعالات وأفكار، ونقوم بتجسيدها مباشرة على اللوحة”.
ويضيف “فيما بعد بدأت البحث في عوالم التجريدية والتكعيبية، والتجريد بكافة أشكاله ومذاهبه، فبقيت أعمالي حتى اليوم تتراوح بين التعبيرية التي هي أساس العفوية، والصدق، والانفعال المباشر، حتى التجريدية التي هي موسيقى للروح والحياة وتكثيف للفكر والمشاعر والرؤيا حول اي شيء، فاعتبرها فلسفية بإمتياز”.
خلال حديثه، يشدد الصوفي على دور أساتذته وتأثيرهم، ويذكر منهم ” فاتح المدرس ونذير نبعة ونزار صابور وغيرهم”، مشيراً إلى أن أعماله تتمحور حول الإنسان.
ويكمل “الصوفي”: احيانا لديّ بعض الأعمال صادمة، وأخرى تبث الفرح حسب الرسالة التي أود أن أوجهها للمتلقي، وأحياناً أرسم الوجوه المتحطّمة المشوّهة، وهذا الوجه الذي تشوّه بفعل الخواء الداخلي الذي انشغل عليه زمنا طويلا وتم تفريغ الإنسان من مضمونه لأسباب عدة الفقر أولها، والتهميش، وتحييد الوعي والثقافة ودورها، وغيرها.
ويردف “إذا بقينا على هذا النهج بالخواء، فالخراب سيكون أشنع، وستحترق ملامح الانسان في صيرورتها الأجمل ويصبح رماداً”.
وحول المشاريع الفنية الحالية يقول “الصوفي” لتلفزيون الخبر: “الآن بصدد العمل على مجموعة أعمال حول الحب والحرب، طبعا هو مشروع كبير يحتاج وقت وجهد، لكن الأهم هو مفهوم الحب في زمن الحرب”.
ويضيف الأستاذ في المعهد العالي للفنون المسرحية “هناك مشروع آخر عن مدن الحرب أيضاً أعمل عليه، أحاول دائماً زرع الفرح في الرماد والنار المشتعلة قدر الإمكان”.
وعن الحركة التشكيلية في سوريا يذكر الصوفي “الحركة التشكيلية في سوريا لو تسنّى لها أن تُدعم كما يجب لكانت رائده على مستوى العالم، وهناك تجارب قديمة وحديثة مهمة جداً”.
ويضيف “القيّمين على الفن التشكيلي هم مستقيلين، فاتحاد الفنانين التشكيليين اسم فقط، وكل مجلس يرمي التهمة على ما قبله، وعملياً هو علّة تاريخيه، وهم على الفنان الذي لا قوة له، دون النظر للفنان وهمومه وحاجاته ومشاكله الحقيقية”.
ويضرب مثالاً “العام الماضي أن جمعية التشكيلين العراقيين وضعت إعلان لمن لم يستلم قطعة أرض مخصصة له مراجعة الجمعية، بينما عندنا يتم إشغال الفنان ببطاقة الهوية، كل عام يركض لتجديدها وهي حق له”.
ويذكر “الصوفي”: “الشق الآخر من المسؤولية تقع على عاتق وزارة الثقافة التي هي أيضاً تتعامل مع الفن التشكيلي بمنطق غير مفهوم”.
ويردف “الصوفي”: “مثلاً كان هناك سياسة للاقتناء في الوزارة وهي عرف قديم متبع في المعرض السنوي، وهو مبلغ كان يتراوح بين ٢٠ لل١٠٠ ألف قبل الحرب، ومع اختلاف القيمة الشرائية للمبلغ، لم يرفعوه بل ألغوا الإقتناء”.
ويتابع “الصوفي”: “يأتي وزير ثقافة يحب السينما يدعم السينما، يأتي وزير يحب الموسيقا يدعم الحفلات الموسيقية، مع العلم أن تكاليف حفلتين فقط قادرة على تغطية الاقتناء للمعرض السنوي”.
ويختم “الصوفي”: الجانب الاخر الشللية والمحسوبيات في الملتقيات التي ترعاها وزارة الثقافة متمثلة بمديرية الفنون، لذلك أصبحت ظاهرة مملة ومثيرة للتساؤلات، هل الفن التشكيلي حاجة غير مهمة للثقافة؟، نطالب بمساواتها بالحفلات الموسيقية فقط”.
حسن الحايك_تلفزيون الخبر