“إنمّا الناسُ سطورٌ كُتبت لكن بماء”.. في ذكرى رحيل جبران خليل جبران
يصادف يوم 10 نيسان ذكرى رحيل الأديب والفيلسوف والرسّام جبران خليل جبران، هذا الإنسان الذي استطاع تحويل الكلمات إلى منابر روحانية تغدق بالكثير من المشاعر التي تعطي تعريفاً صحيحاً لإنسانية الإنسان.
ولد جبران خليل جبران عام 1883 في بلدة بشرّي في شمال لبنان إبّان ما كانت بإسم متصرفية جبل لبنان في سوريا وكان والده يعمل راعياً للماشية ووالدته كاميليا رحمة التي أثرت به وبتنشئته من خلال القصص والحكايا والمواعظ تأثيراً عميقاً في بلورة حروف جبران مستقبلاً.
سافرت عائلة جبران الفقيرة إلى الولايات المتحدة إبّان ما يسمى “رحلات المهجر” واستقروا في مدينة بوسطن، ودخل جبران هنالك مدرسة خاصة بالسكان المهاجرين لتعليمهم اللغة الإنكليزية، بالإضافة لمؤسسة خيرية تعطي دروساً بالرسم وهنالك برزت موهبة جبران بالفن التشكيلي.
وعاد “جبران” إلى لبنان في سن الخامسة عشر وفي بيروت درس في معهد الحكمة، وهنا كانت فترة جوهرية في حياة جبران وظهر ولعه بالأدب وكان من أبرز أصدقائه بشارة الخوري الذي أضحى لقبه “الأخطل الصغير”.
ولكم أن تروا التقارب الروحي بين أسلوب جبران الروحي وحروف الأخطل الذي كتب “يبكي ويضحك لا حزناً ولا فرحاً كعاشقٍ خطَّ سطراً في الهوى ومحا”.
وكان “جبران” يفضّل قضاء العطلة في بلدته ومسقط رأسه “بشرّي” في الطبيعة تحديداً وهو الذي كان يعبّر لأصدقائه عن ولعه بقضاء وقته هنالك محاطاً بمكنونات الطبيعة “هل اتخذت الغاب مثلي منزلاً دون القصور، هل تحممت بعطرٍ وتنشّفت بنور؟”
وعاد “جبران” إلى الولايات المتحدة وهنالك ألّف روايته المبنية على قصّة حب عاشها في لبنان أثّرت بهِ إلى حد الهيام والولع والوله “الأجنحة المتكّسرة”، وكانت هذه الرواية بوابة سطوع بقعة ضوء على اسم جبران وعلى إثرها تعرّف جبران على رفيقيه ميخائيل نعيمة ونسيب عريضة.
وتأثّر “جبران” بعلاقة حصلت عبر المراسلة مع الأديبة مي زيادة رغم أنهم لم يلتقيا أبداً، حيث كان فحوى هذه المراسلات هو نقاشات وآراء دارت حول رواية “الأجنحة المتكسّرة”.
وأسّس جبران في نيويورك “الرابطة القلمية” وضمّت عدّة أدباء مثل إيليا أبو ماضي ونسيب عريضة وميخائيل نعيمة، وكانت الجريدة التي شكّلت منبراً لنتاجاتهم في الرابطة اسمها مجلّة “السائح” التي اعتبرت إحدى أهم المنصّات لأدب المهجر.
وألّف جبران ما يزيد عن 35 عملاً ما بين قصص ودواوين شعرية ومسرحيات ومن أبرز هذه الأعمال “المواكب”، “عرائس المروج”، “النبي”، “البدائع والطرائف”، “الأرواح المتمردة” و”دمعة وابتسامة” والكثير من المؤلفات التي تمت ترجمتها للعديد من اللغات لقيمتها الأدبية والروحية والإنسانية.
ورحل جبران خليل جبران عن عالمنا بتاريخ 10 نيسان 1931 في نيويورك عن عمر 48 عاماً إثر مرض ألمَّ بهِ، وكانت وصيته أن يدفن في لبنان ويُكتب على شاهدة قبره: “أنا حي مثلك، وأنا واقف الآن إلى جانبك، فاغمض عينيك والتفت، تراني أمامك”، وتمّ تنفيذ وصيته.
وأخيراً يكفي أن نقرأ مقولته هذه لنعرف مذهب جبران في كل ما كتبه “تأمّلت في الطبيعة ملياً فوجدت فيها شيء لا حد له ولا نهاية، شيء لا يُشترى بالمال، شيء لا تمحوه دموع الخريف ولا يميته حزن الشتاء، شيء يتجلّد فيحيا في الربيع ويثمر بالصيف … وجدت المحبة”.
حسن الحايك_تلفزيون الخبر