“ربيع الموسيقا”… تجربة سورية لتأهيل أطفال “طيف التوحد” باستخدام الموسيقا
تعتبر الموسيقا من أقدم وأهم النشاطات الإنسانية العليا، فهي الوسيلة الأفضل والأدق للتعبير عن المشاعر التي لا يمكن للغة المنطوقة أو المكتوبة أن تعبر عنها، وهي الوسيلة الأفضل أيضاً للترفيه والترويح عن النفس والمتعة الحسية والعقلية على حد سواء.
واستخدمت الموسيقا بشكل واسع ومتطور في مجال التربية العامة والخاصة وفي مجال علاج وتأهيل ذوي الإعاقة، وبشكل خاص المصابين باضطراب “طيف التوحد”، ولهذه الغاية بالتحديد تم وضع منهاج “ربيع الموسيقا” لتأهيل الأطفال ذوي اضطراب “طيف التوحّد”.
ويقول الباحث والناقد الموسيقي ومبتكر منهاج “ربيع الموسيقا” جمال سامي عوّاد لتلفزيون الخبر: الغاية من هذا المنهاج هو التمهيد لجميع الراغبين بالعمل في هذا المجال، لعدم توفّر اختصاص جامعي لتأهيل كوادر تعمل بالعلاج الموسيقي.
وعن تاريخ العلاج بالموسيقى ذكّر “عوّاد”: الموسيقى هي منتج إنساني استخدم بالبدايات استخدامات طقسية دينية وارتبطت بالكهنة والأشخاص المعنيين بعلاج المرضى في المجتمعات البدائية، حيث لوحظ تأثير إيجابي مهم للموسيقى على المرضى.
وعن البدايات ذكّر “عوّاد” إنها بدأت مع تأسيس “جمعية الربيع” لتأهيل أطفال “اضطراب طيف التوحّد”، حيث تطوّعت للعمل معهم كموسيقي.
وتابع “عواد”: بدأت التجربة الشخصية بالتبلور ضمن هذا المجال وبدأت أعمال المطالعة والترجمة والتجربة العملية إلى أن توصلت لابتكار طريقة خاصة لتعليمهم العزف على آلة البيانو مستخدما الرموز اللونية والشكلية لتسهيل عملية التعلّم.
وأضاف “عوّاد”: طبعا اضطررت الولوج إلى العلوم الصحية المتعلقة باضطراب “طيف التوحّد”، للإحاطة بحالة طفل التوحد من الناحية العصبية والنفسية والجسدية.
وقال “عوّاد”: عرضت التجربة على “المنظمة السورية للأشخاص ذوي الإعاقة” “آمال” التابعة للأمانة السورية للتنمية.
وذكر “عوّاد:” اتخذت التجربة مع “آمال” بعداً جديداً حيث بدأت بالتكامل مع باقي الاختصاصات والتأهيلية المتوفرة في المنظمة.
وأضاف “عوّاد” اكتسبت المزيد من التجارب العملية والاكتساب النظري في منظمة “آمال”، مما نقل بمشروع “ربيع الموسيقى” إلى مستوى أكثر شمولاً بحيث تناول شرائح أخرى مثل تأهيل الأطفال من زارعي القوقعة السمعية، وقد ساعد العمل مع الحالات الأخرى من خارج المنظمة على تطوير المنهاج في مجال العمل مع “متلازمة داون” والإعاقة العقلية وبقية أنواع الإعاقات.
وأشار “عوّاد” إلى أن معظم الأبحاث العلمية الحديثة أجمعت على أن الموسيقى تشكّل أهم المداخل لعالم طفل التوحّد.
وأردف “عوّاد”: لذلك من المهم استخدام الموسيقى للعلاج بشكل علمي للولوج إلى عالم الطفل وبالتالي فتح ثغرة في هذا الجدار الذي يعزله عن العالم الخارجي والعمل على توسيع هذه الثغرة بالتعاون مع افراد الفريق التأهيلي الاخرين من بقية الاختصاصات.
ونوّه “عوّاد”: لاحظت أن بعض الأهالي لا يقتنعون بأهمية استخدام الموسيقا في تأهيل الأطفال علما أن الموسيقا تدعم كافة البرامج المهمة مثل برامج النطق والتواصل والحركات الدقيقة والتنمية الفكرية.
وقال “عوّاد”: منهاج “ربيع الموسيقا” الذي أخذ اسمه من اسم “جمعية الربيع لرعاية الأطفال المصابين باضطراب التوحد” في حمص، حيث بدأ هذا المنهاج بالظهور، هو منهاج عملي ونظري يتضمن شرحاً عملياً ونظرياً عن كيفية استخدام الموسيقا وتقنياتها ومكوناتها، في عملية تأهيل أطفال التوحّد.
وأضاف “عوّاد”: يعتمد المنهاج على الأثر العلاجي للتعليم الموسيقي، كما يتضمن من جهة أخرى أنشطة موسيقية تستهدف تاهيل حالات مختلفة مثل اضطراب صعوبات التعلم وتأهيل زارعي القوقعة السمعية ومتلازمة داون والشلل الدماغي وبعض الاضطرابات الأخرى.
وتابع “عوّاد”: من التجربة العملية على مدى ١٥ عاماً، حصدنا الكثير من النجاحات في مجال تأهيل هؤلاء الأطفال، فبعضهم أصبح أكثر استجابة لبرامج التأهيل اللغوي لأن التدخل الموسيقي ساهم في خلق أساس يستطيع المعالج اللغوي البناء عليه.
وأضاف “عوّاد”: وبعضهم اتخذ من الموسيقا خطاً اساسياً في حياته حيث ازدهرت موهبته الموسيقية المخبأة خلف اضطرابه، كما أحرز الكثير من الأطفال نتائج جيدة في بقية البرامج التاهيلية الحركية والأكاديمية وتحسنت لديهم العمليات العقلية المعرفية من إدراك وذاكرة وانتباه.
وختم “عوّاد” بأن الموسيقى ليست فقط وسيلة فنية للترفيه وإنما هي لغة للعواطف التي تعجز اللغة المنطوقة عن البوح بها في كثير من الأحيان، ولا شك بأن الحاجة للتعبير عن مكنونات النفس هي من أهم الحاجات الإنسانية الضرورية للصحة النفسية و العاطفية.
حسن الحايك – تلفزيون الخبر