ورحل “شادي الألحان”..سوريا تنعي “قلعة حلب” صباح فخري
نعت سوريا وقلبها النابض حلب، اليوم الثلاثاء، قامتها الفنية الخالدة، وكروان طربها وموسيقاها، الكبير صباح فخري، بعد مسيرة عمر شهدت على العديد من الأعمال الخالدة.
غادر صباح فخري عالمنا بهدوء، عن عمر ناهز ال89 عاما، ليهدأ صخب “شادي الألحان”، ويخلد “المياس” للراحة الأبدية، في أعالي السماء، حيث “إلنا خل فوق”.
ولد صباح فخري في حلب في الثاني من أيار 1933، حيث كان يحمل اسم صباح الدين أبو قوس، قبل أن يمنحه السياسي السوري فخري البارودي، اسم صباح فخري، حيث ساهم في رعاية موهبته.
كان والد فخري مقرئاً للقرآن الكريم ومنشداً صوفياً، ووالدته من أسرةٍ دينيةٍ ذات تقاليد في الإنشاد الديني وحلقات الذكر الصوفي، حيث التحق بالتعليم في المدرسة القرآنية بحلب وتعلم مبادئ العربية وعلوم البيان والتجويد والدين الإسلامي.
أول موال يؤديه صباح فخري كان بعنوان “غرد يا بلبل وسلّ الناس بتغريدك” عام 1946، حيث علمته الموال إحدى صديقات والدته، وتتالت جلساته مع صديقات والدته وجاراتها وبدأ يتعلم منهن ما كان يُغني في تلك الجلسات.
اصطحبه أخوه الأكبر عبد الهادي إلى مجالس الطرب، وهناك تعرف على عازف العود والملحن السوري محمد رجب، فتعلم منه موشح “يا هلال غاب عني واحتجب”.
دخل فخري أكاديمية الموسيقا العربية في حلب، وصادف أن زار حلب الأستاذ سامي الشوا عازف الكمان الشهير وسمعه، وأعجب بصوته، وقرر اصطحابه إلى مصر التي كانت ولا زالت تعتبر منبرا للفنون والعلوم والشهرة وموطن الفنون الموسيقية.
تابع فخري دراسته الأكاديمية في دمشق، بعد أن تمسك به السياسي فخري البارودي، راعي الموسيقى في ذلك الزمن، ورفض سفره إلى مصر، خاصة وأن الحكومة السورية كانت على وشك تأسيس الإذاعة السورية.
تخرج فخري من المعهد الموسيقي الشرقي الذي أسسه البارودي عام 1948، بعد أن درس الموشحات والإيقاعات ورقص السماح والقصائد والأدوار والصولفيج والعزف على العود.
تتلمذ صباح فخري على يد أعلام الموسيقى العربية من الموسيقيين السوريين كالشيخ علي درويش والشيخ عمر البطش ومجدي العقيلي ونديم ابراهيم الدرويش وعزيز غنام.
دخل فخري أضواء الشهرة من بوابة إذاعة حلب وسهرات إذاعة دمشق، وما كان يعرف بخيمة حماد التي غنى فيها مع المطربة اللبنانية صباح، وهناك قدم الموال بالقدود الحلبية وغنى “مالك يا حلوة مالك” و “يا مال الشام”.
في الخمسينات اتجه فخري إلى العمل المسرحي الغنائي، هناك حيث تقابل مع مستمعيه وجها لوجه ولم يعد جهاز الراديو واسطة بينه وبينهم، فيما كان أول من شارك بالغناء في حفلات التلفزيون بعد تأسيسه سنة 1960، واشترك في كثير من البرامج التلفزيونية التي صاحب فيها الغناء.
يعتبر فخري من القلة من فناني البلدان الناطقة بالعربية الذين حصلوا على شعبيةٍ كبيرة وشهرة واسعة بغنائه باللغة العربية وذلك في العديد من الدول، حيث تخلد اسم فخري في موسوعة “غينيس” للأرقام القياسية لأدائه البطولي في “كاراكاس”، فنزويلا، حيث غنى لمدة عشر ساعاتٍ متواصلة دون توقف.
لحن صباح فخري وغنى قصائد عربية لأبي الطيب المتنبي وأبي فراس الحمداني، كما غنى لابن الفارض والرواس وابن زيدون وابن زهر الأندلسي ولسان الدين الخطيب.
كما لحن لشعراء معاصرين مثل فؤاد اليازجي وأنطوان شعراوي وجلال الدهان وعبد العزيز محي الدين الخوجة وعبد الباسط الصوفي.
سجل صباح فخري ووثق ما يقارب 160 لحنًا ما بين أغنية وقصيدة ودور وموشح وموال حفاظًا على التراث الموسيقي العربي الذي تنفرد فيه حلب.
من أبرز اغانيه : يا حادي العيس، ومالك يا حلوة مالك، وخمرة الحب، ويا طيرة طيري، وفوق النخل، وقدك المياس، ويا مال الشام، وموشحات، يا شادي الألحان، وابعتلي جواب، وآه يا حلو.
شارك صباح فخري في السينما، بفيلم “الوادي الكبير” مع المطربة وردة الجزائرية، كما شارك في فيلم “الصعاليك” عام 1965 مع عددٍ من الممثلين مثل دريد لحام ومريم فخر الدين.
من برامجه التلفزيونية “أسماء الله الحسنى” مع عبد الرحمن آل رشي ومنى واصف وزيناتي قدسية، ومسلسل “نغم الأمس” مع رفيق سبيعي وصباح الجزائري.
منح صباح فخري عددًا كبيرًا جدًا من الجوائز وشهادات التقدير من جامعاتٍ وهيئاتٍ مختلفة تقديرًا لجهوده المبذولة في إحياء التراث العربي الأصيل، ومن أبرز التقديرات التي نالها، غناؤه في قاعة نوبل للسلام في السويد، وفي قاعة بيتهوفن في بون، ألمانيا وفي قاعة قصر المؤتمرات في باريس.
نال صباح فخري العديد من الجوائز من أرفع مستوى في عدة دولٍ منها وسام الاستحقاق من الدرجة الممتازة الذي قلده إياه الرئيس بشار الأسد في 12 شباط عام 2007 في دمشق.
كما حصد صباح فخري وسام تونس الثقافي الذي قلده إياه الرئيس التونسي الحبيب بورقيبة عام 1975، كما عمل نقيبا للفنانين لفترات من الزمن، وانتخب نائبا عن حلب في مجلس الشعب 1988.
تلفزيون الخبر