في حضرة الروائي فارس زرزور و”الحفاة” و”خفّي حنين”
وينستون تشرشل، قال مرة: “لو خيرونا بين التخلي عن كل مستعمراتنا وقصائد شكسبير، لاحتفظنا بما تركه شكسبير”.
نعم هكذا قال أحد شخوص الحرب العالمية الثانية عن صاحب “لساعاتنا في الحب أجنحة، ولها في الفراق مخالب” ألا و هو وليم شكسبير.
هكذا تحتفي الشعوب بأدبائها الذين يمزجون حاضرهم بخيالهم فيكون نتاجهم عملاً أدبياً يؤرخ لعصور تلت.
في دمشق حينما يعرّش البنفسج بعيدا عن ضجيج المدينة وقريبا من عراقتها ولد فارس زرزور عام 1930، وهو فعلا فارس، لأنه امتطى الواقعية فكانت مطيعة له.
نال فارس زرزور الشهادة المتوسطة في عام 1947 وعين معلماً في محافظة الجزيرة. ثم نال الشهادة الثانوية في عام1949، فانتسب إثرها إلى الكلية العسكرية، متأثراً برواية “كل شيء هادئ على الجبهة الغربية” للكاتب الألماني إريش ماريا ريمارك، وتخرج فيها ضابطاً.
نشر زرزور عام 1962 بحثاً تاريخياً بعنوان “معارك الحرية في سوريا” رصد فيه تاريخ نضال الشعب العربي السوري من أجل حريته واستقلاله من الاستعمار.
جسّد زرزور “اليسارية” ب”نحن لسنا مذنبين ولن نكون أبداً مذنبين. أولئك الذين خطفوا أرضنا وصيرونا إلى هذه الحال، أولئك هم المذنبون وهم الذين يستحقون العقاب”.
يحدد “جدعان العبدالله” بطل رواية المذنبون، لفارس زرزور، رؤية مؤلفها وانحيازه للإنسان المظلوم المغلوب على أمره، وإخلاصه العميق لقناعاته، ومفهومه للرواية التي قال عنها يوماً: “الرواية هي أحد الفنون التي واسطتها الفكر والرؤية والقلم، وتوضع في حرص لتكون في خدمة الإنسان”.
كان لدراسته في الكلية العسكرية العلامة الأكبر في تكوينه، وعن تلك المرحلة يقول زرزوز: “أثناء دراستي في الكلية العسكرية كنت لا أفارق المكتبة فيها، وهناك تعرفت على الرواية والروائيين الروس من أمثال دوستويفسكي وتولستوي”.
كان يرسم صورة البطل في الإنسان، الباحث عن العدالة، المحبط ولكن المتشبث بالأمل، الشقي ويطمح للخلاص. ولذلك يثور حسن ورفيقه جابر في رواية “الأشقياء والسادة” بوجه السيد الإقطاعي المتواطئ مع المحتل الأجنبي.
ويحاول بطله محمد قاديش في رواية “لن تسقط المدينة” قتل لورنس العرب، ويقوم حسن جبل بقتل الآغا في رواية “حسن جبل” هذه الرواية التي تحولت إلى فيلم أخرجه نبيل المالح.
كانت صلة زرزور بالتراث الشعري حميمة وعميقة، مثل صلته بالتراث الشعبي، ومع هاتين العلامتين الفارقتين في تكوينه، تأتي العلامة الأخرى المتمثلة بوالده الذي كتب عنه قصة “أبانا الذي في الأرض”.
كما عرض صورة نادرة للمرأة الريفية السورية، رسمها بإتقان مبيناً ألوان القهر والعنف التي تتعرض لها، وبذلك خرج عن الصورة النمطية للمرأة في الرواية السورية، فصوّر واقعها البائس، وكفاحها إلى جانب الرجل!
ففي رواية “الحفاة وخفي حنين”، يرسم صورة مختزنة في ذاكرته، عندما كان معلماً في “تل علو” في الحسكة، تضم مجموعة من العمال الزراعيين والعاملات وقت الحصاد، صادفهم حين حلّت العطلة.
ويصفهم: “كانوا يتراءون من بعيد قادمين من محطة القطار قطعا ممزقة، لا يجمعهم غير الأرض التي يخبّون عليها ببطون أقدامهم، ولا يربطهم غير رابطة الجوع والخواء، يحملون صرراً فارغة وأسمالاً وأحزاناً قديمة ومشاكسات دائمة… وأكثر من ذلك يحملون أملا في الحصول على العيش”.
أهم أعماله على سبيل المثال لا الحصر : “لن تسقط المدينة، اللااجتماعيون، الحفاة وخفي حنين، الأشقياء والسادة، المذنبون، لاهو كما هو، غرفة للعامل وأمه، آن له أن ينصاع”.
توفّي الروائي الكبير فارس زرزور في دمشق بصمت ، وتم تشييعه إلى مثواه الأخير في الرابع والعشرين من كانون الثاني من العام 2003.
نعم هذا الأديب المؤرخ التي يجب نشر أعماله هذا غير ترجمتها كانت هكذا نهايته وكأنما التراجيديا هنا هي العامل الفصل في سحق هؤلاء الأباطرة الذين هم فرصة لنا للتباهي بمخزوننا و أرضنا و الإرث الثقافي ..
حسن الحايك_تلفزيون الخبر