دمشق تودع أقدم حرفة تقليدية بسبب المازوت
معروف ٌعن الدمشقيين أنهم أول من نفخ في الزجاج، وتقول المصادر التاريخية أن الدمشقيين نقلوا حرفة صناعة الزجاج يدوياً إلى بلدان عربية أخرى كمصر وفلسطين، لكن يبدو أن مصير هذه الحرفة ينتهي من حيث بدأ، ذلك بعد أن أعلن أحمد الحلاق، وهو آخر العاملين في هذه الحرفة، عن إغلاق مشغله الكائن في باب شرقي، بسبب عدم توفر مادة المازوت لتشغيل فرن الزجاج.
وكان “أحمد الحلاق” من بين الذين حاولوا إنقاذ المهنة من الاندثار، فبقي يعمل بها مع أخوته في مشغل واحد، حيث يتشاركون العمل على تشكيل القطع الشرقية الملونة والأواني الزجاجية الفريدة.
ويقول “الحلاق” لتلفزيون الخبر، إنه “ورث المهنة عن والده، فتعلمها مع إخوته وظلوا يعملون بها حتى باتوا آخر العاملين فيها”، فيما يستذكر الحلاق صعوبات المهنة قديماً حيث يقول: “كانوا قديماً يعملون في مقومات بسيطة، لم يكن هناك مراوح للتبريد وكانوا يعتمدون على الآجرّ، لكن كان هناك حينها وفرة في اليد العاملة”.
ويقارن “الحلاق” بين صعوبات اليوم والأمس فيضيف: ” اليوم لدينا قلة في اليد العاملة، وشح في المازوت، رغم أننا حافظنا على تراثية المهنة بحيث لم تدخل الآلة في صناعتها وبقيت يدوية مئة في المئة”.
ويشرح “الحلاق” كيف أنه مع تطور الصناعات ودخول الآلات، تحولت بعض معامل الزجاج التقليدية إلى معامل آلية، ودخل التطوير في إنتاجها، وتزامن ذلك مع بدء استيراد الأواني البلاستيكية، لكن والده منذ حوالي 50 عام، ظلّ محافظاً على خصوصية مشغلهم ولم تدخل الآلات في عملهم.
وباتت المنتوجات الزجاجية التي يصنعونها يدوياً، تعد منتوجات تراثية تدخل في تصنيف الصمديات الشرقية والبعض يقتنيها دون أن يستخدمها، كالأواني والكؤوس المزخرفة.
ويتميز الزجاج الدمشقي برقّته وألوانه المعشقة بالأصفر والأخضر والأزرق، فيما يلجأ صانعو الزجاج إلى استخدام الأكاسيد المعدنية لتلوين الزجاج، كأوكسيد الكوبالت لإظهار اللون الكحلي، وأوكسيد النحاس للون الفيروزي، وأوكسيد المنغنيز لإظهار اللون الخمري الغامق أو ما يعرف “باللون التوتي”.
وفي سياق متصل، يقول “الحلاق” إن “الحرب ألقت بظلالها على هذه الحرفة، فلم يعد هناك يد عاملة، مما أضعف العمل، كما أن أولاده لم يستطيعوا تعلم هذه الحرفة عن والدهم بسبب توقف العمل خلال الحرب، فيما يعد شح المحروقات سبباً رئيسياً لتضرر هذه الحرفة التقليدية، كونها تعتمد على مادة المازوت بشكل أساسي لتشغيل الفرن، ما دفعه للتفكير في إغلاق مشغله مع تسليمه آخر طلبية”.
وفيما يستعد “الحلاق” لإغلاق مشغله التقليدي، والذي يعد آخر مشغل متخصص في تصنيع الزجاج يدوياً، إلا أنه مازال لديه بصيص أمل في عدم خسارته للمهنة التي أمضى عمره محافظاً عليها، إذ يقول “الحلاق” إنه تلقى وعوداً من بعض المسؤولين تفيد بتأمين كميات من مادة المازوت.
وفي هذا الإطار، توجه “الحلاق” بالشكر لمؤسسة “الأمانة السورية للتنمية”، وجمعية الحرف التراثية، التي قدمت له طلباً للحصول على مخصصات شهرية من مادة المازوت، فيما تسعى أيضاً لتأمين عدد من العمال، كي يتم تعليمهم هذه الحرفة، ليعملوا بها ويحفظوها من الاندثار.
ويذكر “الحلاق” أنه يحتاج يومياً لتشغيل فرنه إلى ما يقارب 200 ليتر من المازوت، ورغم محاولاته الطويلة في الحفاظ على هذه المهنة من الاندثار إلا أنه “ولو أخفق في حفظ الإرث العائلي”، كما يقول لكنه يرى أن “الإرث الوطني الذي يمثل تراث شعب بأكمله، لا بد من حفظه بشتى الطرق”.
نغم قدسية- تلفزيون الخبر