“بشتغل بـ40 أو ببيعو بـ60 عالمرتاح “..نظرية سائقي السرفيس التي حولت “المقعد” إلى “حلم” في حمص
لم يكن المواطن الحمصي في سنوات ما قبل الحرب “ياكل هم ” الوصول إلى عمله أو منزله مستخدما وسائل النقل الجماعية أو حتى التكسي إن أراد الترفيه عن نفسه والشعور بترف مأجور.
والسبب في ذلك، يعود لكون المحافظة الأكبر في البلاد لم تكن مكتظة سكانيا رغم مساحاتها الشاسعة الممتدة حدودها على ثلاثة بلدان مجاورة، مع مساحتها الكبيرة عمرانيا، ما جعل التنفل في شوارعها آخر ما يؤرق ساكنيها.
ومع بدء الحرب، ورغم دمار ما يقارب نصف المدينة وخروج الكثير من وسائل النقل الحكومية والخاصة عن العمل، استمرت راحة البال هذه مع عدم وجود معاناة بالمعنى الذي يعرفه مواطنو العاصمة دمشق أو حلب أو المدن الساحلية.
كيف تبدل واقع النقل ؟
إلا أن الأمور تبدلت لاحقا، لاسيما في العام الماضي وصولا للعام الجاري مع بدء تدهور أسعار الصرف، وما رافقه من ارتفاع لأسعار كل ما يحتاجه المواطن، ومنها المحروقات بالدرجة الأولى، وما سببه نقصها من انعكاسات على قطاعات حيوية لا يستطيع الإفلات منها.
وشهد قطاع النقل منذ صدور “قانون قيصر”، والذي وإن كان جائراً على مستوى البلاد، إلى أنه تحول إلى شماعة كل مقصر أو مسؤول فاسد، حتى إن “ربطة البقدونس” تذرعت بقيصر والدولار بارتفاع سعرها، فما بالك بالأمور الأخرى التي ترتبط فعلا بتوفر المحروقات من عدمها.
محاولات حل المشكلة حكوميا
وحاولت الجهات المعنية عن قطاع النقل والمحروقات معا، إيجاد حلول توقف بها ما تستطيعه من ضياع الكميات المتوفرة بين سرقة هنا، وتهريب هناك، وسوق سوداء باتت عاملا جاذبا لكل من استطاع احتكار بعض المواد التي يدرك صاحبها احتياج الناس لها.
وعملت تلك الجهات، كأحد الحلول المقترحة، تنظيم استلام المواطنين للمحروقات بأنواعها عبر البطاقة الإلكترونية التي كانت المنقذ_برأيهم_ للحد من هدر المواد ووقوعها بيد أشخاص لا هدف لهم سوى جمع المال من بيعها أو تهريبها واستغلال الحالة المادية للبعض أو عوز آخرين “لشلف” مبالغ على هواهم.
إلا أن حال حركة النقل في شوارع حمص تحولت للأسوأ، مع تسرب السرافيس والتي تعتبر العمود الأساسي لها كحال كل المحافظات، مع عدم قدرة شركة النقل الداخلي والشركات الخاصة على حل مشكلة الازدحامات والاختناقات لاسيما في ساعات الذروة.
وما تغير بالدرجة الأولى في حمص، هو عدم اقتصار ازدحام المواطنين على ساعات الذروة المعروفة بذهاب الموظفين إلى أعمالهم أو الطلاب إلى جامعاتهم وعودتهم، بل بات الخروج من المنزل في كل ساعات اليوم مرهقا ومثيرا للقلق، فالسرافيس مفقودة في كل وقت، والتجمعات موجودة عند الإشارات والدوارات.
رفع سعر ليتر المازوت خلق الأزمة
وزاد الطين بلة عند إصدار وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك في الحكومة السابقة، قرارا بتعديل سعر ليتر المازوت من 180 ليرة إلى 500 ليرة، ليخلق مع هذا الارتفاع أزمة جديدة في حركة النقل وسببا إضافيا لتسرب السرافيس عن العمل.
ومنذ صدور القرار، بدأت تتسرب أعداد من السرافيس وتقف أمام منازل مالكيها، لتشهد شوارع حمص تجمعات بشكل شبه كامل على مختلف دواراتها ومواقفها، كخط وادي الذهب وحي الورود والوعر والزهراء والكراجات الشمالية والجنوبية.
وظهر مع هذا الارتفاع نظريات جديدة من أصحاب كل المهن العاملة والمعتمدة على المازوت، ومنها أصحاب السرافيس، الذين وجد بعضهم فرصته السانحة للحصول على المال” بالهيّن” دون تشغيل سيارته حتى.
فحوى النظرية
وانتشرت هذه النظرية التي باتت تسمع في كل مكان، وتنطبق أيضا على التكسي و البولمانات وغيرها، إلا أنه وكوسيلة محتم استخدامها يوميا، أصبح سائق السرفيس” ملك زمانه”، ويحسب أقصى ما يمكن له ربحه من خلال كمية المازوت المدعوم.
وتتلخص النظرية حسب ما شرح أحد السائقين لتلفزيون الخبر بأن” 20 لترا من المازوت ستوفر لي مبلغ 40 ألف ليرة من العمل على أي خط، ناهيك عما سأتكلفه من زيت ودواليب وغيره، هذا إن لم “آكل شي مخالفة” أو أقوم بتصليح قطعة ما”.
رد السائقين “ما حدا حاسس فينا”
وأضاف” أن لا أحد يشعر بنا عندما نتكلف سعر الدولاب” هديك الحسبة” أو تبديل الزيت، أو إصلاح أي قطعة، فمجرد دخولك للتصليح لن تخرج قبل دفع 25 ألف مهما كان العطل صغيرا”.
وأكد سائق آخر هذه النظرية وأضاف أن” سعر صفيحة المازوت المدعومة 10 آلاف ليرة، وفي السوق السوداء او البيع الحر، هناك مئة شخص” بيقتل حالو” لشراء اللتر ب2000 ليرة كحد أدنى، لأحصل بذلك على 30 الف ليرة “وانا عم اضحك والعب”.
بينما أوضح آخر أن” الانتظار صباحا لتعبئة المازوت يكفي لاتخاذ القرار بإيقاف العمل وبيع المازوت المخصص، لكن البعض “يخاف الله” ولا يقبل ترك الناس على الطرقات كما أن” قعدة البيت بشعة”.
وتابع سائق آخر على خط الكراج الجنوبي أن” الجميع يهاجمنا لكنهم لا يسألون عن التسعيرة الظالمة بحقنا، فكيف يرفعون سعر اللتر ثلاثة أضعاف بينما رفعو تعرفة الركوب 30 ليرة فقط، و قبل أن يشتمنا المواطن فليضع نفسه مكان صاحب هذه السيارة”.
وأشار سائق على خط الزهراء تربية لتلفزيون الخبر أن” الكثير من زملائي اختفوا من الخط، وفضلوا العمل طلبات خاصة أو التعاقد مع المدارس أو المعامل عن العمل، وهذا ما سبب الازدحامات مؤخرا، خصوصا عند إشارة الزهراء وموقف الساعة الجديدة وقرب مديرية التربية في آخر الخط”.
المواطن “المحروق” تحت الشمس يسأل عن غياب الرقابة
بينما استغربت موظفة من غياب مسؤولي قطاع النقل في المحافظة، وقالت لتلفزيون الخبر” مو كل الناس متلهم عندن سيارات”، وأين هم من هذه الأزمة الخانقة، وهل يعقل أن كل الشكاوى اليومية لا تصل مكاتبهم المكيفة؟”.
وتساءل مواطن آخر عن “غياب وقلة باصات النقل الداخلي وشركة نور التي استثمرت في حمص، أو تكثيف لوجود المراقبين ودوريات التموين وشرطة المرور في الشوارع كي” تربّي” المخالفين، وإلا فإننا لن ننته من هذه الأزمة”.
وتابع آخر” يأخذون فوق أجرتهم المحددة ” ماحكينا شي”، لكن على الأقل فليقوموا بعملهم ويتحركوا خارج منازلهم، لأن ما نعانيه يوميا لتأمين مقعد في سرفيس أصبح معيبا ومرهقا ومنظر لا يليق بكرامات الناس”.
بعض من ردود الجهات المعنية
من جانبه أوضح منهل خضور عضو المكتب التنفيذي لقطاع النقل بمحافظة حمص في وقت سابق لتلفزيون الخبر عن ” مخاطبة رئاسة مجلس الوزراء لتأمين سائقين لباصات النقل الداخلي في المحافظة لتدعيم الخطوط وتعويض نقص السرافيس و وجود عدد من الباصات المتوقفة لعدم وجود سائقين”.
كما أشار” نقوم كلجنة نقل في المحافظة بدوريات دائمة على الخطوط في بدايتها ونهايتها، وحرمان السائقين المخالفين من مخصصات المازوت، مع عدم التردد بحجز سيارته في حال امتناعه عن العمل”.
بدوره، نوه المهندس رامي اليوسف مدير التجارة الداخلية وحماية المستهلك في حمص مرارا في عدة مناسبات لتلفزيون الخبر إلى أن” أي سائق يتقاضى مبلغ زائد عن التسعيرة المحددة هو مخالف، وما على المواطن إلا تقديم تصريح خطي برقم السرفيس والخط الذي يعمل عليه ليتم تنظيم ضبط بالمخالفة”.
تعديل تعرفة الركوب لم تصدر في حمص بعد
وكانت لجنة تحديد الأسعار في محافظة دمشق قراراً يقضي بتحديد تعرفة الركوب للباصات والميكروباصات.
وبحسب القرار أصبحت تعرفة الركوب للخطوط القصيرة لغاية 10 كم للباصات والمكروباصات 150 ليرة للراكب الواحد، وأصبحت الخطوط الطويلة فوق 10 كم للباصات والمكروباصات 200 ليرة للراكب الواحد.
ليبقى المواطن في حمص بانتظار صدور التعرفة الجديدة التي يتقاضاها سائق السرفيس مسبقا دون انتظاره لصدورها رسميا، لأنه وبطبيعة الحال من النادر أن يرجع لك سائق سرفيس 20 ليرة او حتى خمسين بحجة الفراطة المعتادة.
الجدير بالذكر أن حركة النقل والتنقل في حمص، ومنها إلى كل المحافظات إضافة لخطوط الريف تشهد فلتانا في التسعيرات، حيث ترد الشكاوى يوميا من فرض السائقين تسعيرة كيفية دون أي رقيب، وما ساعدهم على ذلك هو غياب ثقافة الوعي والشكوى بحسب بعض المعنيين.
يذكر أن أزمة النقل ازدادت صعوبة ومعاناة على كاهل المواطنين في اليومين الماضيين، مع الإشاعة التي انتشرت كالنار في الهشيم عن صدور تعرفة ركوب جديدة ما دفع من تبقى من اولئك العاملين على التوقف، كما حدث في اول يومين من صدور قرار رفع سعر ليتر المازوت حيث شهدت القطاع شللا عاما وانعدام لتواجد السرافيس في الشوارع.
وبحسب مسؤولي قطاع النقل والتموين، “فالمواطن لا يملك ثقافة الشكوى التي يجب أن يستعملها في كل مناحي حياته وفي أي مناسبة يتعرض فيها للاستغلال بعيدا عن ” ما بدي ضرو”،
لأن الجهات الرقابية لا تستطيع مراقبة ومخالفة كل شاردة وواردة إن لم يتعاون المواطن ويقدم بلاغات وتصريحات خطية تمكن تلك الجهات من ممارسة دورها بشكل فاعل و أكبر”، ودوما بحسب الجهات المعنية.
النظرية معممة على كل المحافظات
يشار إلى أن نظرية بيع المازوت بالسعر الحر انتشرت في كل المحافظات السورية، ولا يخفى على أحد أن ذلك يشمل بيع البنزين والغاز وحتى الخبز للهدف نفسه، وهو تحقيق كسب مادي بأسرع وقت ممكن.
أما في حمص، يمكن ملاحظة عبوات البنزين في الشوارع الفرعية ويستدل على بائعيها بسهولة، كما يمكن للمسافرين رؤية كميات من تلك المواد معروضة امام الجميع على الطريق العام عند مداخل حمص، لاسيما طريق حمص طرطوس، ما يعود للسؤال عن مصدرها وتوفرها بكثرة و الرقابة عليها.
ولم تعد مصفاة حمص أو العنفات الريحية على الاوتوستراد الواصل للمدينة أكثر ما يجذب عيني المسافر، بل تكدس “بيدونات المازوت والبنزين” و جرار الغاز المتوفرة في عشرات الأكشاك و”على عينك يا تاجر” ما يطرح السؤال عن تبريرات غياب تلك المواد من منازل المواطنين وتوفرها على الطرقات.
عمار ابراهيم – تلفزيون الخبر- حمص