من أول يوم”بكالوريا”.. خرافات وحكايا سورية ترافق شهادة التعليم الثانوي كل عام
في حلقة مستمرة الدوران على مدار السنين، ما أن يسمع الأقارب والجيران أن “أحدهم” وصل لسنة “البكالوريا” حتى تبدأ الحكايا والإشاعات، ناهيك عن التجارب “البطولية” التي خاضها كل من مر على العام الدراسي الاستثنائي.
لتشكل تلك القصص هاجسا و”فوبيا” تزيد توتر الطالب وتنغص عليه عاماً كاملاً يملؤه التعب الدراسي، وسماع أقاويل هؤلاء، التي لا مهرب منها.
وتبدأ الأساطير من اليوم الذي ينتهي فيه الطالب من امتحانات العام السابق (الحادي عشر)، حيث تسرد الجارة “أم فلان” تجارب أولادها المهندس والمحامي والطيار، كيف أنهم “أكلوا الكتب أكل” من اليوم الأول، خاتمة حديثها لابن الجيران المقبل على المصيبة بالعبارة المارة على كل سوري “شد حيلك بدا هز كتاف”.
وقبل بدء العام الدراسي بقليل، يسقط على رأس الطالب وابل من الأسئلة المتعلقة بتغيير المناهج واستبدالها بأخرى “فضائية” لن يقوى لا الطالب ولا المعلم على فهمها، وإن كان صحيحاً أن كتاباً ما قد تغير فعلاً، فتعاود المخاوف من الأسئلة التعجيزية التي يلاحق طيفها الطالب منذ سماعه الخبر، وحتى خروجه من قاعة الامتحان الأخير.
وعلى امتداد السنة كاملةً، لن يسلم الطالب من مغامرات جيل والديه ممن درسوا “على الشمعة” مع التأكيد أن ما عند أبنائهم اليوم من فرص ودروس خصوصية ودورات وتسهيلات “ماكانت على أيامنا”، وبكل تأكيد هناك إشارة إلى أن “البكلوريا ما كانت لمين ما كان، وكانت شغلة كبيرة كتير”.
أما عن الأخوة الأكبر سناً، لا سيما من تقدموا للامتحان خلال سنين الحرب الأخيرة في البلاد، فهناك حديث آخر، يحمل بين طياته مغامرات مرعبة ممن خسر أستاذاً بقذيفة هنا، ورفيق بانفجار هناك.
أما عن الصعوبات، فيطول الكلام، وهم يقفون على أطلال الدراسة أثناء النزوح، أو انتقالهم من مدرستهم خلال سنة “البكالوريا” لتحولها إلى مركز إيواء، وتعود “ديباجة” الدراسة على الضوء الخافت لتظهر إلى النور من جديد مستبدلين “الشموع” بـ” الليدات”.
ومع قدوم شهر الانقطاع، “ترا صاحبك بالمقعد الدراسي أعاد المنهج الدراسي سبع مرات”، وآخر أكل المنهاج 5 مرات ، إلا أنك لا زلت تعد بحور الشعر، أو تدرس وحدة الوراثة في كتاب العلوم، وربع من بحث المثلثات المرعب في الرياضيات.
وقبل الامتحان بأسبوعين، يسمع طالب البكالوريا عن قدرات بعض الأساتذة، وكيف أن بصيرتهم مفتوحة، وتنبؤاتهم بالأسئلة لا تخيب، ومن هنا تبدأ رحلة البحث عن أفضل التوقعات، عند أهم الأساتذة.
وإن لم تركز على ما قاله كل أستاذ منهم، فأنت راسب بإذن الله، بحسب إيمان المحيط من حولك بقدرة هؤلاء، علماً أن الأساتذة أنفسهم يعلمون أنهم يقومون بتركيز معلومات من الكتاب نفسه الذي تأتي منه الأسئلة كل عام، ولا شيء آخر.
وبدأ العد التنازلي على أصابع اليد الواحدة، للمادة الأولى، وفي هذه المرحلة تحديداً، تشتهر مقولة “هي السنة الأسئلة رح تكون أصعب”، مع هزة رأس تؤكد صحة الخبر، وكأن النبوءة لا مجال للشك فيها.
أما بعد انتهاء فترة التقديم بسلام، تعود مجدداً الإشاعات بالبروز، أهمها “السنة سلم التصحيح ما بيرحم”، و في رواية أخرى “شادين ايدهم بالتصحيح”، واينما التفت الطالب المسكين، تراه يجيب على تساؤلات الجميع المتعلقة باختياره الفرع الجامعي.
ويكثر الحديث حول الغاء الدورة الثانية لطلاب الثالث الثانوي، وإن لم يكن الحديث حول إلغاءها، فهو حتماً حول صعوبة أسئلتها مقارنة بالدورة الأولى.
وتأخذ في المرحلة التالية شائعتين بالظهور، الأولى المتعلقة بقرب صدور النتائج، فصديق والدك علم من مصدر موثوق أن النتائج غداً، وابن خالة والدتك عرف أنها الثلاثاء القادم في منتصف الأسبوع.
بينما خطيب صديقة أختك “بالبحوث” أكد أن النتائج غدا، ومنهم من يرن على الهاتف ليؤكد “والله” أنها صدرت فعلاً، عدا عن صفحات “الفيسبوك” المختصة بنشر البلبلة حول صدور النتائج.
أما الإشاعة الثانية، فترتبط بمعدلات القبول (المفاضلة)، والتي يبدأ الحديث عنها منذ الساعات الأولى لصدور النتائج، بأنها هذه السنة تحديداً سترتفع بشكل مخيف، لدرجة أن التجارة والاقتصاد سيطلب فيها 227 عوضاً عن 206 بشكل تقريبي، ومن تلك الفترة إلى حين صدور المفاضلة يؤكد كل من يصادف طالب البكالوريا، على أنها ستصدر قريباً، مع تحديد موعد وهمي يشبه موعد صدور النتائج الامتحانية.
ومع كل ما يعيشه الطالب من مخاوف وما يسمعه مع عائلته من تلك الحكايا والروايات على امتداد العام، تراه نفسه يتحول لأحد النسخ المذكورة بعد سنة واحدة على أقل تقدير، ناشراً آراءه، ومتباهياً بتجربته أمام طلاب الشهادة الثانوية الحديثين، لضمان عدم خسارة عادات وتقاليد سنة البكالوريا.
لين السعدي- تلفزيون الخبر