هل كسر “خريف العشاق” الصورة النمطية لأبناء الشرقية؟
النص الجميل لمسلسل “خريف العشاق”، خرج من سرب كتاب الدراما السورية في تنميط الصورة المأخوذة عن سكان المنطقة الشرقية، ليقدم عائلة من دير الزور في صورة بعيدة عن “الأهبل والغشيم”، الذي جهد فيها صناع الدراما سابقاً.
وبرغم عدم إجادة لهجة مدينة “دير الزور”، من قبل صفاء سلطان التي حاولت الاجتهاد في شخصية “هيفاء العيد”، إلا أنها قدمت جديداً في مسيرتها.
وتعملق “حسين عباس”، في أداء شخصية “هلال”، الضابط المنحدر من دير الزور رغم هنات اللهجة.
ويبدو أن مخرج العمل جعل من شخصية “بدر”، التي يلعبها “محمد الأحمد”، شخصية “الديري”، الذي فقد لهجته في مدن مختلفة بسبب محاولة الاندماج مع محيطه.
وهي عموماً جزء من يومية الحياة لكل أبناء المحافظات في دمشق، يذهبون نحو محاولة الحديث بـ “اللهجة البيضاء”، لكن لا يمكن إخفاء لهجتهم الأساسية.
أول عمل سوري طرق باب اللهجة الديرية كان “الحيار”، الذي عرض في عام ١٩٨٨ والذي كتبه “لؤي عيادة”، وأخرجه هيثم حقي آنذاك ليحكي عن عادة مجتمعية تلزم الفتاة بالزواج من ابن عمها.
ومن الطريف أن “عيادة”، تعرض للضرب من شبان متحدرين من دير الزور إثر اعتبارهم للمسلسل إهانة لمجتمعهم، فكسرت يده وبعض أسنانه.
بقيت الدراما على حالها في خلق صورة نمطية عن مجتمع المحافظات الشرقية حتى العام ١٩٩٦، حتى حين كتب “عمار مصارع”، مسلسل “الغريب والنهر”، الذي أخرجه في تسع حلقات “هشام شربتجي”.
لعب بطولته الراحل “حاتم علي”، وهو مسلسل يروي حكاية عشق بين المعلم الغريب وإحدى بنات قرية في ريف الرقة، لكن ظهور “ابن القرية الغشيم”، والانتهازي وإمكانية قتل الغريب الذي قد يقع في عشق إحدى بنات القرية، لم يغب عن هذا المسلسل.
قلما تجد مسلسلاً بلهجة غير شامية في مسلسل لا يكون ذو طابع كوميدي، ورغم نجاح “البيئة الحلبية”، في مسلسلات مثل “كوم الحجر – خان الحرير”، إلا أنها لم تكرر.
ولم يكن ثمة مسلسل يدق باب قضايا المجتمعات المحلية في المحافظات ويدور بلهجتهم، فلا الخربة أو ضيعة ضايعة بما حققاه من حضور جماهيري لكونهما أيقونتين في “كوميديا المبالغة”، إلا أنهم تنميط لصورة ابن جبال اللاذقية (الضيعجي)، والأمر نفسه في “الخربة”.
أكثر من اجتهد في تصوير سذاجة ابن المنطقة الشرقية كان “أيمن رضا – باسم ياخور”، قبل انفضاض شراكتهما في سلسلة “بقعة ضوء”، وحتى بعدها.
فأيمن الذي يعد من أهم ممثلي الكوميديا السورية كان يجد في بساطة سكان الشرقية مساحة للعب شخصيات مبالغ في شكلها وسذاجتها، ومثله فعل “باسم ياخور”، الذي يبدو أن اليوتيوب يغريه كثيراً خلال هذه الفترة.
لكن هل خلدت أي من هذه الشخصيات التي “انمطّت”؟، وما الذي أضافته لمسيرته الفنية؟، وهل عالجت أياً منها قضية مجتمعية حقيقة؟
أم كانت مجرد حامل لمشروع بقعة ضوء بإضافة ما قد يثير الضحك الآني دون أن يبحث الجمهور عنه مرة أخرى؟ مثلما حدث في “صح النوم”، على سبيل المثال لا الحصر، الذي كان بسيطاً وعفوياً حينها.
وإذا ما نظرنا إلى مصر التي يجتهد صناع الدراما والسينما فيها للخروج من القاهرة نحو محافظات أخرى، نجد حكايا الصعيد والاسكندرية وبورسعيد بلهجاتها المتباينة حاضرة، وكاسرة لنمطية الصورة التي كانت مأخوذة عن “الصعايدة”، بكونهم بسطاء وسذج.
هل يحق للمتابع أن يسأل عن السبب الذي يمنع الرقابة من وضع شرط “عدم تنميط صورة المجتمع السوري”، ضمن قائمة الشروط التي تضعها لإجازة أي عمل؟
وهل يمكن للمشاهد أن يتابع مسلسلاً بلهجة غير شامية يكسر كل الروتين الذي بات سمة وقيمة عامة للأعمال السورية؟.
محمود عبد اللطيف_ تلفزيون الخبر