محليات

صناعة الألبسة في حلب .. عودة الحياة تنقصها اليد العاملة والكهرباء

كانت مدينة حلب ، تاريخياً ، عاصمة صناعة النسيج في سوريا ، ومن أهم مراكزها في الشرق الأوسط ، فيعود تاريخها للعام 5000 قبل الميلاد حين بدأت الصناعة يدوية واستمرت حتى العام 1933 عند إنشاء الشركة السورية للغزل والنسيج .

المدينة التي تعرضت لغزوة كانت امتدادا لمئات من الغزوات السابقة والتي لم يكن المغول أول من قام بها منذ ما يقارب الألف عام ولم تنتهي بغزوة “إبراهيم يوسف” أواخر العام 2016 ,والتي فشلت كلها في نزع روح المدينة ، والتي تشكل صناعة النسيج سويداءها .

أنتجت حلب صاحبة واحدة من أقدم غرف التجارة في العالم (منذ العام 1885) مئات الأطنان من الأقمشة القطنية و الأقمشة الممزوجة ، بالإضافة لغزل الصوف الممزوج و قماش الصوف الممزوج وسجاد الصوف ، عدا عن غزل الحرير والغزل المجعد وإنتاج الملابس الداخلية والملابس الخارجية.

وانتشرت ورش الخياطة بمختلف أحجامها بين الشيخ نجار و الليرمون والقاطرجي والميدان والكلاسة والصاخور والهلك وسليمان الحلبي وميسلون والجابرية والخالدية وبستان القصر والسكري والصالحين وغيرهم, وخلال الحرب دمرت وسرقت اغلب الورشات والمصانع لترسل إلى تركيا بأغلبها.

ومع انخفاض عدد الورشات, لا تزال تحاول الورش البقية جاهدة التأكيد على وجودها, فتوزعت اليوم بين الميدان وحلب الجديدة وميسلون والخالدية والجابرية , كان هنالك أكثر من 24 ألف منشأة (مسجلة) على كامل الأرض السورية , عدا عن غير المسجل منها ونصفها على الأقل في حلب بحسب أرقام صادرة عن مؤسسات تسجيل الصناعيين.

وتحدث أحد القائمين على إحدى ورش حلب لتلفزيون الخبر قصة بيعهم لجزء من ماكيناتهم ” بيع الماكينات لأسباب اختلفت بين الخوف من احتلال المسلحين للمنطقة حينها ولعدم الاستفادة من الماكينات لعدة أسباب أبرزها نقص اليد العاملة”.

ويتابع “سافر اغلب الشباب الصناع خارجا لانخفاض قيمة الدخل الذي صار بين ال15 ألف وال 20 ألف ليرة أسبوعيا للصانع الواحد وهو غير كاف مقارنة بمستلزمات المعيشة , بالإضافة لمن انضموا لصفوف الجيش العربي السوري”.

وبدأت العديد من ورشات الخياطة بتعزيز كوادرها بالفتيات الهاويات سابقا للخياطة المنزلية لتعويض نقص الشباب ، في المدينة الجريحة .

وتحدث ماهر ( قائم على ورشة منتجة ) : “يجب أن يعود الشباب أصحاب الصنعة , سابقا كنا ندرب 2 من الشباب بين كادر مكون من 15 عشر شاب ولكن اليوم علينا تدريب الراغبين بالعمل وهم أكثر بكثير من العاملين بالإضافة إلى أننا كورش لا نملك سياسة التدريب إنما الإنتاج فقط” .

ويضيف : “ليس هناك معاهد رديفة حقيقية لتعليم الصنعة والمشكلة أن اغلب العاملين الجدد هم دون عمر ال18 عاما ويعملون معنا من اجل إعانة أهلهم على المصروف وليس حبا بالمهنة كما كان سابقا” .

ويعتبر ماهر أن ثاني اكبر المشكلات وأكثرها تعقيدا كانت الكهرباء ابرز المشاكل في القصة : “لا ينتشر بحلب كثيرا مولدات الأمبير الصناعية والتي تعمل من ال9 صباحا وتستمر حتى آخر الليل”.

يقول زاهر صاحب ورشة ألبسة خارجية : “من وين ما جيتها ما بتزبط ان قمنا بشراء مولدة كبيرة فإن لتر المازوت ب 300 ليرة بالسوق السوداء والحصول ليه صعب وغير متوفر دائما,وخيار الأمبيرات يكلف 100 ألف شهريا لخمس ماكينات فقط وهو خيار غير صناعي (تشغيل مدة قليلة)”.

ويضيف : “فكرنا بشراء مولدات كبيرة مشتركة بيننا وبين عدة ورشات ولكن هناك بين ال 300 وال 500 متر أحيانا بين الورشة والورشة”.

وفي هذا السياق فإن مئات الورش نقلت أعمالها لخارج حلب كون الكهرباء متوفرة أكثر، فبدأ يعتاد اهل المدن الاخرى رؤية الورش داخل المناطق السكنية واسفل ابنتيها، فمشهد مثل هذا لم يكن معتادا الا في حلب (مدينة سكنية فوق مدينة من الورش).

وتابع : “إن الجيد بالأمر أن الحكومة السورية لازالت تؤمن وصول القطن السوري لمعامل الخيط المنتشرة بين الشيخ نجار ومحافظات طرطوس وحماة واللاذقية ويبقى هنا مشاكل النقل والأتاوات الكبيرة”.

يذكر ان القطن هو أساس إنتاج الخيط , “بلغ إنتاج القطن قبل الحرب حوالي 320 ألف طن من القطن المحلوج، وكانت معامل النسيج مجتمعة تحتاج لكمية 1700 ألف طن منه ويجري تصدير الباقي الخارج بينما انخفض انتاج النسيج القطني عام 2014 الى 15 الف طن بعد ان بلغ 200 الف طن عام 2010” بحسب تقارير اعلامية .

وتضيف التقارير : “ان سوريا احتلت المركز الثاني عالميا بإنتاج القطن والثالث في إنتاج القطن العضوي بعد الصين وتركيا”.

و يحكي أمير ( صاحب مصبغة موردة للورش ): “إن كمية المصابغ اليوم لا تتجاوز عدد أصابع اليد في حلب , تقوم بتامين القماش ولكنها تملك مشاكلها الخاصة أيضا”.

لا تختلف مشاكل مصابغ حلب عن مشاكل ورشاتها , فيضيف أمير : “إن القماش المنتج من المصابغ يعتمد بشكل أساسي على المياه والكهربا و ندرة المياه تؤدي إلى خفض جودة القماش وهذا شئ محزن بالنسبة لنا”.

وكشف : “أن القماش التركي والصيني منتشر في السوق بجودة أفضل وسعر أعلى بالطبع”.

ويكمل : “نحن نضطر لرفع سعر القماش عن غيرنا من المحافظات السورية بسبب الكهرباء فمثلا لو حصلنا على الكهرباء لمدة 5 أو 6 ساعات يوميا كالمحافظات الأخرى سنوفر الكثير لان الكهربا ارخص من الخيارات الأخرى”.

و يعود زاهر ليكمل عن القماش الذي يحوله لملابس :” إن المصابغ قليلة وغير كافية فنشتري قماش من المحافظات الأخرى , هو ارخص بحوالي ال 200 ليرة سورية للكيلو ولكن حتى يصل لعنا بكون الشباب عالطريق عوضوها للميتين ليرة” .

ويشير إلى أن كيلو القماش المستورد من معمل سوري بالخارج يساوي حوالي 2250 ليرة سورية أي 200 ليرة قبل الحرب.

وعن تصريف البضائع في الأسواق يقول بدر وهو تاجر ألبسة : “بضاعة حلب تباع نصفها في حلب والباقي للمحافظات الأخرى , انخفض التصدير للخارج بنسبة 90% بس لسا حلب عمتصدر”.

و يضيف : “المصدريين الأساسيين للأسواق الخارجية غادروا حلب وفي منهن غادروا سوريا والبعض منهم يصدر لسوريا حتى وبأسعار مضاعفة عن أسعار سورية “.

وعن مستهلك البضائع المرتفعة الثمن يكشف بدر :” هنالك دائما طلب عالغالي خاصة من الذين كونوا ثرواتهم مؤخرا مستفيدين من الحرب, بينما المواطن الحلبي بات اليوم يوفر من مصروفه الشهري على مدى 4 شهور ليشتر بيجاما متوسطة الجودة”.

وعن أصحاب الورش الذين تمكنوا من نقل ورشاتهم من مناطق سيطرة المسلحين إلى مناطق سيطرة الحكومة , قال أبو بكري : “كان هنالك العديد من الورشات في الأحياء الشرقية وكمية بيعهن و إنتاجهن أفضل من الغربية لتوفر مازوت مكرر رخيص و طبعا كل هذه الورشات سرقت مؤخرا” .

وعن مشاكل الانتاج تكلم لنا احد المشاركين في معرض أقيم مؤخرا في دمشق :
“شاركنا بأحد المعارض السنوية بدمشق من فترة قريبة وكانت مشاركة شرفية للحفاظ عالسمعة, زار جناحنا زبائننا القدامى من خارج سوريا ,الأردن ولبنان وليبيا والجزائر”.

ويضيف : ” تفاجأ الزوار من عينات الإنتاج بعد القصص التي سمعوها عن حلب وطلبوا بضاعة لكن للأسف لم نقدم شي ولو حصلنا على الكهربا كنا قدمنا كل شيء” .

وعن مشاكل النقل داخل المدينة , طالب ماهر بضبط الحواجز فيقول :” نحن بحاجة لموافقة المحافظة لنقل بضائعنا والموافقة تستغرق مدة الشهر لنحصل عليها” .

وكشف : “مؤخرا بدأت الحواجز تتغاضى عن ورقة المحافظ وصارت تمشيها بمصاري ,ب 1000 او 500″.

وقص ما حصل إبان بيع بعض ماكيناته : ” لما بعنا ماكينات استأجرنا شبيح ساق السيارة وشغلتو مع الحاجز كانت سلام ورد غطاه أخد 5000 موزعة بين 3000 للحاجز وألفين له و النقلة لمسافة ا كيلو تقريبا ,مثلا بين الجميلية و السبيل”.

و يتحدث بدر مجددا عن التسويق: “في السابق كان نسبة كبيرة من الحلبية تعمل بنظام مصانعة وتسوق لنفسها لتزيد من دخلها كان في ناس تشتغل ما يسمى بالقصات على حسابها الخاص وتبيعهن , كانت القصة 200 بيجاما مثلا ب 100 ألف وكان ,لكن حاليا نفس القصة تكلف اكتر من 1200000 وهذا رقم كبير”.

جميع من قابلناهم اجمعوا على مشكلتين أساسيتين وهما نقص اليد العاملة والكهرباء وان لاحاجة للحديث عن مشاكل أخرى سيقومون هم بحلها في حال توفر الكهرباء .

فراس جليلاتي – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى