كيف غيرت الأزمات التي تعصف بالبلد من عادات الحلبية في شهر رمضان
يأتي شهر رمضان هذا العام على البلاد وهي تعصف بها عدة أزمات، من محروقات ومواصلات وغلاء كبير في الأسعار، الأمر الذي أجبر النسبة الأكبر من أهالي مدينة حلب على تغيير عاداتهم الرمضانية التي كانت لا يمكن فصلها عن أجواء هذا الشهر المبارك.
ومن أهم العادات الحلبية في شهر رمضان هي التي تحصر عادةً بالأسبوع الأول من هذا الشهر، هي “العزايم” التي يميزها “التنسيق” الكبير لأدوار كل طرف من أطراف العائلة، وكأن الأمر محفور في كتاب قواعد يحفظه الحلبيون عن ظهر قلب.
فاليوم الأول من شهر رمضان المبارك تكون “عزيمة” الإفطار حصراً في منزل أحد الأجداد إن وجدوا، أو في منزل عائلة الأب، وليس عائلة الزوجة، ودرءاً للخلاف تأتي قاعد “الأقدمية بالعمر” لتحديد الأمر بالنسبة للأزواج.
أما اليوم الثاني فيكون عند عائلة االزوجةفي أغلب الأحيان، وفي حال عدم وجود المذكورين من كلا الطرفين (أي أن ذوي الزوج أو الزوجة متوفين) تنتقل شعلة عزيمة رمضان ليد الأخ الأكبر (أو الأخت) في العائلة.
وفعلياً فإن الزوج والزوجة بما لديهم من أطفال، إن كانوا ما زالوا في قاعدة “الهرم العائلي”، فإن مائدتهم لرمضان خلال معظم أيام الأسبوع الأول من هذا الشهر تكون فارغة بسبب “نظام العزيمة الحلبي” هذا، وإن وجدت تلك المائدة حتى فهي “سكبات” من مختلف تلك التجمعات العائلية.
إلا أن هذه العادة االتي يحكمها إطار قواعد معقدة للبعض، يبدو أن النسبة الأكبر من الحلبيين تخلوا عنها هذا العام، بسبب الأزمات التي كثرت عليهم، بما فيها بشكل أساسي غلاء الأسعار ومشكلة المواصلات الخانقة.
ويتحدث السيد براء (حامل راية عزايم رمضان باعتباره جداً وأخاً أكبر في العائلة) لتلفزيون الخبر حول ما تغير هذا العام قائلاً:
“السبب الرئيسي لصعوبة الاستمرار بهذه العادة التي تعلمانها كأنها فرض منذ صغرنا، هو الغلاء الكبير للأسعار في الأسواق الغذائية، بشكل خاص اللحمة والفروج اللتان تعتبران المادتين الأساسيتين لطبخات رمضان في الأيام الأولى”.
وأضاف: “عزايم رمضان تكون بالعادة على فريكة وأرز أو ملوخية أو يبرق (ورق عنب) أو كبسة، ولا داعي لذكر الأسعار فكلنا نعلم ما يطال أسواقنا من ارتفاعات كبيرة بالأسعار تأتي كإحدى انعكاسات الأزمات التي نعيشها والحصار الاقتصادي المفروض علينا”.
وتابع براء: “عشنا في مدينة حلب خلال سنوات الحرب أشهراً جاء فيها رمضان مليئاً بالقذائف والموت، وأشهراً أخرى كانت فيها مدينتنا محاصرة وتفتقر لأدنى الخدمات، إلا أن عادة العزايم بقيت وإن كانت بنسبة منخفضة”.
وأردف: “لكن هذا العام يأتي رمضان في ظل أوضاع صعبة جداً، وإن كانت بعض العوائل تخلت فعلاً عن هذه العادة، إلا أن عوائل أخرى تستمر بها لكن بوتيرة ضعيفة جداً وبجمعات عائلية صغيرة على غير المعتاد”.
وأبدى مواطن آخر يدعى “حسن” رأيه عن هذا الأمر قائلاً: “المشكلة التي نعيشها في رمضان هذا العام ليست مقتصرة على ارتفاعات الأسعار فحسب، بل الجزء الأهم منها هو أزمة المحروقات وما تبعها من أزمة مواصلات شلت حركة الشوارع قبل رمضان حتى”.
وأوضح حسن: “إن كنا لا نستطيع مواجهة مشكلة المواصلات قبل بدء شهر رمضان حتى، فكيف سيكون الوضع خلال الشهر الفضيل؟، هذا الأمر يؤرق العديد من أهالي حلب، لاسيما مع الازدحامات المعروفة التي تظهر بالأصل عند موعد أذان المغرب”.
وبحسب ما شرحه حسن فإن “اختفاء عزايم رمضان يأتي مع اختفاء المواصلات، قبل موضوع ارتفاع الأسعار، فالصعوبة التي تواجهنا حالياً جعلت العديد من العوائل تفضل البقاء في المنزل على العزايم التي أصبح تحقيقها أمراً صعباً بالفعل”.
أما السيدة هدى فكان لها سبب آخر للتخلي عن عادة عزايم رمضان، مبينةً لتلفزيون الخبر أنه “لم يعد هناك أحد بالأصل لتدعوه إلى عزيمة رمضان، فمعظم أفراد عائلتي كبيراً أو صغيراً هاجروا من البلد بسبب الحرب والأوضاع الاقتصادية”.
وأضافت السيدة هدى: “هذا العام سأحتفل بعزيمة رمضان مع من تبقى من جاراتي، بما أوتينا من قدرة، فمائدتي فارغة إلا من القلة القليلة من أفراد عائلتي الذين مازالوا متواجدين في البلد”.
ونهايةً فإن آراء العديد من الحلبيين تأتي “متشائمة” هذا العام، فرمضانهم افتقر لنكهته الحلبية المعروفة، فحتى شوارعهم انشغلت بأزمات البلاد التي يعتبرها معظم الحلبيون “الأقسى” التي تمر عليهم، غابت عنها هذا العام “زينة رمضان” التي كانت تملأ شوارع وأحياء المدينة بحكم العادة.
أما شوارع حلب قبل أيام من بدء الشهر المبارك فهي مليئة بالفعل، ليست لحركةٍ شرائيةٍ جيدة في الأسواق، بل لحركة ذهاب وإياب عند مواقف الباصات وخطوط “السرافيس” في محاولاتٍ للظفر بوسيلة نقل غائبة عن الشارع، في أزمةٍ يستقبل بها السوريون رمضانهم هذا العام بانتظار رسائل البنزين والرز والسكر، حاملين إياها على أسقف “السرافيس” أو معلقين على أبواب الباصات.
وفا معقل أميري – تلفزيون الخبر- حلب