الأغنية التراثية الشعبية.. روح الماضي ورَيحانه
يختزن الذهن في طيّاته وكواليسه الكثير من المفردات العالقة والمضيئة لجانب مهم في الذاكرة الجمعية للناس وهو التراث الشعبي.
ويُبنى التراث الشعبي على عدّة عناصر منها الأغنية الشعبية التي تُعتبر وثيقة اجتماعية على قدر كبير من الأهمية لأنها تصوّر أحياناً عادات الناس وتقاليدهم على امتداد الأجيال.
يقول الشاعر الشعبي ابراهيم العثمان لتلفزيون الخبر: الأغنية الشعبية هي قصيدة محكية يتداولها الناس ويتوارثونها أباً عن جد في كافة نشاطاتهم الاجتماعية.
يتابع عثمان: تأخذ الأغنية الشعبية لونها الخاص بحسب منطقتها فللسهل أغنية وللجبل أغنية وللوادي وللصحراء أغنية، وتعبّر الأغنية التراثية الشعبية أحياناً عن الناس في عملهم اليومي بالزراعة والحصاد وجني المحاصيل وكانوا يرددون هذه الأغاني وقت العمل لتكون ونيس لهم في عملهم الشاق.
ويضيف عثمان: تتأثر الأغنية الشعبية بشكل كبير بالبيئة وتتميز بألوانها الفنّية مثل “الشروقي” و “الترويدة” وتستقطب كافة فئات الناس من المدينة والريف.
يذكر عثمان: كانت الأغنية التراثية الشعبية هي فاكهة سهرات السمر الجميلة التي كان يعقدها الناس بعد يوم عمل شاق، ويغنّون جميعاً بشكل طربي يعبّر عن حالة من السعادة في ترديد هذه الأغاني التي كانت تبدأ بالميجانا التي من خلالها يتم تشجيع كل خجول على الغناء.
ويتابع عثمان: “الميجانا” هي بيت شعر يتألف من شطرين، الشطر الأول هو ترديد لكلمة “الميجانا”، بينما الشطر الثاني هو كلمات تتفق بالوزن والقافية مع الشطر الأول مثل: “يا ميجانا، ياميجانا، يا ميجانا…الله معاهم وين ما راحوا احبابنا” فيقوم جميع الموجودين بترديد الشطر الثاني وتبدأ هنا سهرات السمر اعتمادا على الأغنية الشعبية و ملحقاتها من عتابا وزجل وغيرها.
بينما يقول الأكاديمي سليمان الفارس لتلفزيون الخبر: الأغنية التراثية الشعبية هي حالة من الشجن العميق والقصة التي تُتلى لتوضّح حالة حدثت في ماضي الأزمان.
ويقول الفارس: الجميل في الأغنية الشعبية هو الحدوتة التراثية التي بُنيت عليها الأغنية، مثل قصة شاعر شعبي من ريف مصياف كان يعمل في البيدر فجاءته ابنته بالزوّادة وتحمل على رأسها حطب أخضر وكانت تعبة جداً من الحمولة في الطقس الحار فارتجل: “شفتك يا جفلة عالبيدر طالعة، ووجهك يا جفلة الشمس الساطعة”.
وتابع: و بعد أن وضعت “جفلة” الحطب على الأرض وجلست مع والدها قليلا طلبت منه أن يساعدها على وضع الحطب على رأسها لتغادر فعجب الوالد لثقل الحطب فلعن الفاقة والعمل الشاق وارتجل: “حملت الحملة وقالت ردّ لي، والحطب أخضر ليش متقّلي، لالعن بو الحطب على بو المنجلة، لابو الدرّج الحطب ببلادنا”.
فسرّت الفتاة لارتجال والدها وعادت للقرية تغنّيها، ومنها انتشرت لكل سوريا هذه الأغنية التراثية الشعبية التي تُغنّى بالأفراح والسهرات.
وأضاف الفارس: بعض الأغاني الشعبية التراثية مبنية على حالات تعدّد المواسم مثل الحصاد ومثال على ذلك أغنية “رواحي عالحصاد رواحي، قومي خيط الصبح لاحِ، رواحي عالحصاد رواحي، قلبي معلّق بالملاحِ”.
وأردف الفارس: للعلم فإن بعض الأغاني تحكي عن تقاليد الأجداد مثلاً في إعداد الخبز واجتماع النساء حول التنّور مثل: “مسعد يا تنّور يمّا ليلا، يا مجمّع الزينات مسعد يا تنّور”
وأضاف الفارس: من أشهر الأغاني الشعبية التي يرددها الجميع والقادمة من عمق التراث و التي تُقال بكافة اللهجات السورية أغنية “الدلعونا” التي لها قصص كثيرة عن استنباطها من الدلع وغيره ومن أشهر المقاطع المردّدة كمثال عن “الدلعونا” هو “على دلعونا وعلى دلعونا، أهلا ومرحبا بلّلي إجونا، نسّم علينا يا هوا بلادي، سلّم عالجبل سلّم عالوادي”.
و لفت الفارس إلى أن: كل منطقة لها أغانيها الشعبية التي يردّدها الجميع مثل الأغنية الشعبية الحلبية والأغنية الشعبية الحورانية والأغنية الشعبية الشامية “يا قضامة مغبّرة يا قضامة ناعمة” والأغنية الشعبية الفراتية التي من أشهر أغانيها الشعبية “عمّي يا بيّاع الورد” حيث يرد في أحد المقاطع “ورد زرعته خوش ورد، بإيدي زرعته.. زرعته، من دجلة والفرات يوبه، ماي أنا جبته، جبته”.
وختم الفارس: تبقى الأغنية التراثية الشعبية هي حالة تتمثّل ببقعة ضوء مُسلّطة على قصص وتقاليد ونشاطات شاعت واستمرت داخل المجتمعات الشعبية لتأخذ مكانها في التعبير عن ماضي وعن …”غنّية”.
حسن الحايك- تلفزيون الخبر