“العتابا”.. فن يحفظه ويتناقله السوريون عبر التاريخ
“أنت يلّي القمر لولاك ما يتم.. هجرتني و جعلت هالدار ميتم.. دجلة والفرا وسيحون ميتم.. ما وازوا دمع عيني عالحباب” ربما لا يوجد سوري لم يسمع بيت العتابا الشهير الذي كان يردده المطرب الراحل فؤاد غازي مرارا وتكرارا في كل مناسبة.
ويتناقل السوريون عبر التاريخ أبيات “العتابا” شفاهيا كجزء من التراث الراسخ لبيئتهم وثقافتهم، فالعتابا هي كلمات غنائية شعرية لها مكانة مرموقة في الأوساط الشعبية المحلّية و يرددها الناس في أغلب المناسبات.
يقول الثمانيني إبراهيم عثمان و هو شاعر عتابا قديم لتلفزيون الخبر: لا يوجد معلومات محدّدة عن تاريخ “العتابا” و نشأتها و لكن تتوارد حكايات قديمة عن بداياتها و النشأة”
ويتابع “فمثلاً تذكر إحدى القصص أن امرأة اسمها عتابا غادرت بيت زوجها و ذهبت لتسكن في قصر آغا القرية، هذه الحادثة أوقعت الزوج في حزن و خيبة شديدة التي منها بدأت أولى أبيات “العتابا” حين قال: “عتابا ما بين برمة و لفتي.. عتابا ليش لغيري ولفتي.. أنا لروح للقاضي و لافتي.. عتابا بالثلاث مطلقا”.
و يتابع عثمان: بينما يقول آخرون إن “العتابا” كمصطلح أتت من العتب و العتاب الذي يبدأ من الشجن و الحب طبقا للمقولة المعروفة “العتب على قدر المحبّة”، و العتاب نوع من اللوم على تضييع المحبّة و الصداقة فتنطلق الحنجرة هدَّارة في غنائها.
ويضيف عثمان: تُعتبر “العتابا” نوع من الأدب الشعبي و الشعر المحكي و تتخذ اللهجة المحكية صهوة لها للمضي في الآداء، و ركيزتها الأساسية الاعتماد على صوت المغنّي و الكلمات و الآلة الموسيقية المُصاحبة.
و يتابع عثمان: أحياناً تتخذ “العتابا” صيغة الحكمة و البلاغة في الوصف مثل إحدى الأبيات القديمة لهذا الفن الشعبي التي تقول: “عتابا لا تعاتبني و أنا حي.. لبسّوني تياب الموت و أنا حي.. صديق الما نفعني و أنا حي.. شو نفعو حين ردّات التراب”.
بينما يقول الأكاديمي سليمان اليوسف لتلفزيون الخبر: “العتابا” هي شعر شعبي محكي يعتمد على “الجناس” في البديع الذي هو مرتكز هذا الفن، و الجناس هو أن تأتي كلمات بذات اللفظ و لكن تختلف بالمعنى و المقصد، و تهتم بالتزام القوافي و غالباً ما تنتهي “العتابا” بحرف الباء الساكن أو حرف الألف.
و يتابع اليوسف: تشتهر “العتابا” في سوريا فهي فن ممتد من اللواء شمالاً إلى الهضبة جنوباً، كما يتم ترديدها في جبل لبنان و فلسطين و يصاحبها آلات موسيقية أشهرها على الإطلاق الربابة والعود والقصب والناي اللي كل ما عتق بيحن”.
و يضيف اليوسف: من أشهر الشعراء الذين نظموا العتابا أسد فقرو و أحمد تلّاوي و محمد صادق حديد و جميل جنيد الذي شكّل ثنائي مع العملاق الراحل فؤاد غازي حيث كتب له أغلب أبيات “العتابا” و من أشهرها على الإطلاق و التي كان يرددها فؤاد في كل مناسبة: “أنت يلّي القمر لولاك ما يتم.. هجرتني و جعلت هالدار ميتم.. دجلة و الفرا و سيحون ميتم.. ما وازوا دمع عيني عالحباب”
و يتابع اليوسف: اعتمد كتّاب “العتابا” على وصف الأحاسيس و رسمها ضمن تراكيب اللهجة المحكية بحيث ترسم صورة أدبية للحالة التي يريد وصفها الكاتب، خاصة اذا كانت ارتجال في رد على عتابا ثانية بطريقة تشبه الزجل و عند الارتجال يُطلق على الكاتب لقب “شاعر فحل” و تعتمد على النظم اللحظي لبيت “العتابا”.
و ختم اليوسف: تبقى “العتابا” موروث شرقي ثقافي شفاهي ما زالت الحناجر ترددها حتى الآن، فهي هوية يُرسم بها الفن الشعبي، و ما زال البعض حتى الآن ينقل قصة قصيرة أو نصيحة أو خبر أو مناسبة أو لحظة حب بواسطة بيت من العتابا، و بإيجاز محكي بليغ ممتد من الماضي و حتى هذا اليوم.
حسن الحايك_تلفزيون الخبر