سعد الله ونوس.. المثقف كما يجب أن يكون
“الديمقراطية لا تتعلق فقط بحرية الكاتب، بل تعني مجتمعاً منفتحاً وحراً قادراً على التفكير والتساؤل عن مصيره دون خوف وقيود وشرطة داخلية، حرية الكاتب لا تكتمل دون حرية القارئ أيضاً”، هذا كان ديدن مسرح الراحل السوري سعد الله ونوس، الذي دق بكتاباته كل الأبواب الموصدة، وحاول خلق فضاء مسرحي جديد.
ولد سعد الله ونوس عام 1941 في قرية حصين البحر بطرطوس، والتحق بالمدرسة الابتدائية حيث ظهر ضعفه في مادة التعبير، الأمر الذي دفعه إلى مطالعة الكتب بنهم وحرص شديدين.
وحصل ونوس على الشهادة الثانوية عام 1959 بطرطوس، ثم تلقى منحة في نفس العام لدراسة الصحافة بكلية الآداب-جامعة القاهرة، وبعدها عاد عام 1963 ليعمل مديراً لقسم النقد بمجلة “المعرفة” الصادرة عن وزارة الثقافة السورية.
تأثر ونوس بانفصال الوحدة بين سوريا ومصر، حيث كتب مسرحيته الأولى “الحياة أبداً” عام 1961 حول هذه القضية، والتي لم تنشر في حياته، ثم أصدر أول مجموعة من المسرحيات القصيرة تحت عنوان “حكايات جوقة التماثيل” عام 1965.
وسافر ونوس عام 1966 إلى فرنسا، لتحصيل إجازة دراسية بالأدب المسرحي، من معهد الدراسات المسرحية التابع لجامعة “السوربون”، حيث نشط هناك في الترويج والتعريف بالقضية الفلسطينية، من خلال الكتابات والمنشورات.
وآمن ونوس بأهمية المسرح في إحداث التغييرات السياسية والاجتماعية على أرض الواقع، فتناولت مسرحياته دوماً نقداً سياسياً واجتماعياً، معالجةً علاقة المواطن والسلطة والخيبات العربية.
عايش ونوس، كغيره من أبناء جيله، صدمة نكسة 5حزيران 1967، والتي دفعته لكتابة مسرحية “حفلة سمر من أجل 5 حزيران” عام 1968، ليعبر بها عن خيبة جيل كامل ناقلاً صورة المجتمع في تلك الحقبة.
واتفق ونوس مع عدد من المثقفين عام 1969، على إقامة مهرجان دمشق المسرحي، الذي حقق نجاحاً كبيراً على مستوى الوطن العربي، إلى أن توقف عام 1978.
حمل ونوس، في مسرحه هموم الشعوب، متخذاً عبر كتاباته صفة المحرض نحو التحرر وكسر الخطوط الحمراء، وهو ما بدى جلياً في مسرحيات “الفيل يا ملك الزمان” عام 1969، و”مغامرة رأس المملوك جابر” 1971 و”الملك هو الملك” 1977.
أسس عام 1977 مع رفيق دربه المخرج السوري فواز الساجر، فرقة المسرح التجريبي، التي شكلت منعطفاً في تاريخ المسرح السوري والعربي، ليقدما “يوميات مجنون” عام 1979 و”رحلة حنظله من الغفلة إلى اليقظة” بذات العام.
ساهم ونوس عام 1977 بتأسيس المعهد العالي للفنون المسرحية، الذي يهدف لإنشاء أكاديمية ثقافية تُخرج اختصاصيين في مختلف مجالات الفن المسرحي، وقدم عبره مسرحية تخرج الدفعة الأولى منه عام 1981، بعنوان “سهرة مع أبي خليل القباني”، من إخراج فواز الساجر.
وامتنع ونوس، في أعقاب الاجتياح “الإسرائيلي” للبنان عام 1982، عن الكتابة لحوالي العقد من الزمن، حيث وصف بأحد تصريحاته تلك المرحلة “أعتقد أن “إسرائيل” سرقت السنوات الجميلة من عمري وأفسدت على إنسان عاش 50 عاماً مثلاً، الكثير من الفرح وأهدرت الكثير من الإمكانات”.
وشخص الأطباء في عام 1992 إصابة ونوس بسرطان البلعوم، ثم إصابته لاحقاً بسرطان الكبد، إلا أن مرضه لم يمنعه من متابعة رسالته المسرحية، حيث قدم خلال سنوات المرض، أعمالاً شكلت بصمة في التاريخ المسرحي السوري والعربي.
وكتب ونوس خلال مرضه “منمنمات تاريخية” 1993، و”طقوس الإشارات والتحولات” 1994، و”أحلام شقية” و”يوم من زماننا” في عام 1995، و”ملحمة السراب” و”بلاد أضيق من الحب” و”رحلة في مجاهل موت عابر” في عام 1996، و”الأيام المخمورة” 1997.
وكلفه المعهد الدولي للمسرح، التابع لليونيسكو عام 1996، بكتابة رسالة يوم المسرح العالمي، التي ألقاها على خشبة مسرح الحمراء في دمشق، وألقيت بلغات عدة في مسارح العالم، حيث قال فيها عبارته الشهيرة “نحن محكومون بالأمل، وما يحدث اليوم لا يمكن أن يكون نهاية التاريخ”.
وعمل ونوس، محرراً للصفحات الثقافية في صحيفتي “السفير” اللبنانية و”الثورة” السورية، وكاتباً في “الآداب” اللبنانية، و”النصر” و”الموقف العربي” و”البعث” في سوريا، كما أسس مجلة “أسامة” عام 1969، وترأس بين عامي 1977 و1988 مجلة” الحياة” المسرحية السورية.
عُرضت العديد من مسرحيات ونوس في الدول العربية، مثل مصر ولبنان، من إخراج وتمثيل كبار الفنانين العرب، منها “طقوس الإشارات والتحولات”، و”الليالي المخمورة”، و”الملك هو الملك”.
وأثار إهداء مكتبة الراحل سعد الله ونوس الخاصة عام 2017، إلى مكتبة الجامعة الأمريكية في بيروت، من قِبل ابنته ديمة، حفيظة السوريين، خصوصاً بعد تداول معلومات عن محاولة زوجته تقديم المكتبة كهدية لجهات ثقافية سورية، إلا أن الأمر قوبل بالرفض.
يذكر أن الراحل سعد الله ونوس توفي متأثراً بمرضه في مشفى الشامي بدمشق بتاريخ 15 أيار من عام 1997.
جعفر مشهدية -تلفزيون الخبر