أسواق حمص القديمة.. نبع العراقة والذهب العتيق
يجلس “أبو محسن” على كرسيه القش أمام محلّه في سوق النوري “المسقوف” أحد أشهر الأسواق الحمصية العتيقة، ويخرج شالات صغيرة وخيوط و”كُلَف” و علب دبابيس، وينتظر “الرزق”.
ويتحدث الرجل السبعيني لتلفزيون الخبر عن السوق العتيق الذي يجاور المسجد النوري الكبير قائلا ” السوق النوري كان اسمه قديماً سوق “السلحفة”، بسبب سقفه الذي يشبه ظهر السلحفاة”.
ويتابع أبو محسن: “هذا السوق أرضيته كانت من الحجارة السوداء البازلتية التي تشتهر بها حمص وقائم على عوارض خشبية تنتهي بقبب من ألواح التوتياء”.
“الله للرزق منّاح” هكذا يقول أيو محسن بلكنته الحمصية المحببة عن عمله في المحل الذي لا يتجاوز مساحته الـ 10 أمتار.
و تتعدد وتتنوع أسماء أسواق حمص القديمة وتختلف أسماءها غالباً باختلاف مهن أصحابها.
يقول محمد صبّاغ لتلفزيون الخبر: “يوجد العديد من الأسواق في منطقة حمص القديمة مثل سوق “النسوان” المجاور للسوق “المسقوف” وسمّي بهذا الاسم لأن النساء كانت تبيع فيه ما تجهزه في منازلها من طعام و من ملابس و حياكات مختلفة”.
ويتابع صبّاغ: “وبالقرب من سوق النسوان يوجد سوق الصاغة الذي كان يباع فيه المجوهرات والمعادن الثمينة مثل الذهب والفضّة ويجاورهم سوق البالة ومن اسمه يُعرف أنه لتجارة الملابس والأقمشة المستعملة، بالإضافة لسوق النحّاسين لبيع الشرقيات وصناعة وتبييض ونقش الأواني النحاسية”.
“المحل بدّه “إجر مكسورة”
يقول صبّاغ: “المهم الشغل و المحل بدّه “إجر مكسورة” وفي تفسيره لهذا المثل الشعبي يضيف صباغ لتلفزيون الخبر: أن أحد الغجر أتى لتاجر في سوق النحّاسين لبيعه طنجرة نحاسية صفراء، و بعد الشراء و مغادرة هذا الرجل الغجري للمحل”.
ويتابع صباغ “تبيّن لصاحب المحل أن هذه الطنجرة من الذهب الخالص، و في اليوم التالي أغلق هذا النحّاس محلّه لبعض الوقت ليذهب إلى الغذاء، و في المساء صادف هذا النحّاس الرجل الغجري ليخبره بأنه جاء إليه ظهر اليوم ليبيعه طنجرة مماثلة لتلك التي باعه إياها”.
وأضاف “ولكن وجده مغلق فباعها لجاره، و لشدّة حسرة هذا التاجر وندمه على إغلاقه محله قام بكسر قدمه لكي يلتزم بالمحل فلا يغادره أبدا و قال “المحل بدّه إجر مكسورة” و ذهبت مثلاً”.
و لفت صبّاغ إلى أن “حتى بعض أحياء حمص الشهيرة أخذت لقبها من المهن و التجارة التي كان يمارسها الناس عبر العصور مثل حي “جورة الشيّاح” في حمص حيث كان هذا الحي عبارة عن أرض منخفضة كانت مكاناً لمن يحرقون الحجر و يحولونه إلى “كلس”.
وتابع “وكان الوقود هو نبات الشيح سريع الاشتعال، لذلك أُطلق على من يعمل بالمكالس “الشيّاح” هذه المنطقة التي تحولت من تجارة الكلس إلى تجارة الالكترونيات حديثا في حمص”.
و ختم صبّاغ: “نتيجة الأحداث المؤسفة مؤخراً تعرّضت بعض أسواق حمص القديمة للضرر البالغ و حالياً يتم الترميم لإعادتها إلى ألقها و جعلها قبلة لكل من يريد توثيق تاريخ حمص المعماري و التجاري”.
ويلفت النظر في مطلع سوق الصاغة وجود محل صغير لبيع “المخلّل” و كأنها رسالة تقول بأن الذهب و أمثاله هو معدن “خلّله الزمن” ليكتسب ألقه وبريقه كأسواق حمص القديمة.. ذهب عتيق.
حسن الحايك-تلفزيون الخبر