قصّة البلد الذي صنع النسيج وعلّم التطريز
اشتهرت حمص كما الكثير من المحافظات السورية بصناعة الغزل والنسيج، هذه الصناعة التي كانت مهنة النساء قديماً في المنازل حتى انتقلت إلى المشاغل والمعامل و المصانع الكبرى.
و لهذه الصناعة العريقة تاريخ أثير من العمل والاحتراف حتى غدت طابع يميّز المدن السورية، وما الأزياء التقليدية والتراثية في حمص إلا امتداد لعراقة هذه الصناعة وجوهرها.
ويشرح الحائك جميل الطيّب لتلفزيون الخبر تاريخ هذه المهنة قائلا “تعود صناعة النسيج إلى عصور قديمة جداً غير معلومة التاريخ تحديداً، حيث من المعروف أنّه عُثر منذ أكثر من عقد على صناديق برونزية تحوي دبابيس و أبر ذات ثقوب في جورة أبو صابون، بمنطقة الملعب البلدي بحمص حالياً”.
ويتابع الطيب “هذه الدبابيس تدل على معرفة الأجداد بفن “التطريز، بالإضافة للملابس التاريخية التي تُذكر حتى الآن مثل “الشروال” الذي اشتهرت به مدن شرق المتوسط، و الذي كان يرافقه صدرية تُسمى دامر”.
ويضيف “الدامر هو جاكيت من دون أكمام مطرّزة و يتم لبسها فوق “الشروال” بالإضافة إلى “الدكّة” و هو حبل من الكتّان يُستعمل لحزم الشروال”.
ويتابع الطيّب: “ومنذ القدم وحتى يومنا هذا تتم صناعة “العباءة” أو “العباي” وهو لباس قماشي كانت تُنسج بطانته قديما من وبر الإبل أو الخروف، فضفاض يصل حتى الركبة و أكمامه عريضة”.
ويضيف “وكان يُطلق على هذه العباءة عدّة أسماء مثل (حسّاوية) أو (صدّية) نسبة إلى مكان نسجها في منطقتي حسياء و صدد، و التي ما زالت تُباع حتى يومنا هذا في تلك المناطق على طريق اوتستراد حمص دمشق”.
و ذكر الطيب لتلفزيون الخبر: أنّه “من الأزياء النسيجية التي كانت مشهورة للمرأة الحمصية والحلبية قديماً “المردن” و هو ثوب حريري مفرّغ بخيوط كخلية النحل ويتم تطريزه بالإبرة”.
و تابع: “سُمّي بـ (المردن) لأن له ردنين موصولين بالأكمام من “الشيفون”، و قد ذكره الشاعر المتنبي عندما قال: “أتت زائرا ما خامر الطيب ثوبها …. كالمسك من أردانها تتضوّع” ، بالإضافة لـ “القمطة” وهي منديل يغطّى به الرأس ذو ألوان زاهية و يكون مطرّز محيطه بالإبرة و من أنواعه الحمصي والحموي والطرابلسي حسب أمكنة صنعه”.
“شيخ القماش”
ابراهيم بعيتي و هو من مواليد ١٩٣٧ و يُعتبر “شيخ القماش” في مدينة حمص يقول لتلفزيون الخبر: “من الطبيعي أن القماش الذي نتداوله في عملنا هو قماش سوري فقط، حيث لم نحتاج أبداً لاستيراد قماش من الخارج، و هذا القماش تنقسم صناعته غالباً ما بين حمص و حلب و دمشق”.
و تابع بعيتي: “من أهم الأقمشة “الدولس” وهو نسيج قطني أبيض كان متداولا جداً ابتداءً بجهاز العروس و ليس انتهاءً بصنع الملاحف، بالإضافة لقماش (الكريتون) الذي يصلح لكافة الاستخدامات ومدينة حلب تشتهر به”.
و نوّه بعيتي إلى قماش نسيجي سوري عريق جداً و هو “الساتان” الذي يُشبه الحرير وهو ذو بنية “زلقة” ساطعة وكان يستخدم كثيرا للباس العروس و الفساتين و القمصان حسب وصفه.
و لفت بعيتي إلى “قماش نسيجي سوري مشهور عالمياً و كان متداولا جدا في الأسواق هو “الداماسكو” ذو التراث القديم حيث كان يُصنع قديما على النول و اشتق اسمه من دمشق و نُسب إليها”.
و ختم بعيتي: للأسف صناعة النسيج التي كانت مشهورة في سوريا انحدرت بشكل واضح بسبب عدّة عوامل منها توقّف الكثير من مصانع النسيج عن العمل بسبب الحرب، بالاضافة لغلاء الأسعار الصارخ بتكلفة ما بين خيوط و عمّال و غيرها”.
وأوضح بعيتي أن من أسباب تراجع هذه الصناعة “انتشار القماش المستورد في الأسواق و مزاحمته للوطني لفترة من الزمن قبل الحرب رغم تقدّم القماش السوري على المستويين المحلّي و الدولي”.
يذكر أنه منذ فترة قريبة عرضت إحدى المحلّات في حمص جاكيت قماش “كشمير” حسب ما وصفته بمبلغ ٢٥٠ ألف ليرة سورية، حتى علّق أحد الحماصنة هل سيتم تقديم ولاية كشمير المُتنازع عليها كهدية مع هذا الجاكيت.
ويتساءل باقي السوريين لماذا وصلنا إلى زمن يُباع فيه القماش الصيني والتركي والكشميري بجودة وسعر وقيمة تساوي أضعاف القماش السوري وكل ذلك في بلاد “الداماسكو”؟.
حسن الحايك-تلفزيون الخبر