مقاربات مجنونة للخالة أمّونة
لا تقتنع “الخالة أمّونة” بالتحليلات السياسية، ولا يدخل في عقلها أي نوع من أنواع “تقارير الحالة الاقتصادية”، وهي غير قادرة البتّة على تصديق هذيانات “ثقافتي هويتي”، ولا حتى هلوسات العقود الاجتماعية، فلها نظريتها الشاملة لكل شيء، وتفكِّر بنشرها تحت عنوان “مقاربات مجنونة”.
تنظر “الخالة أمّونة” إلى السياسة على أنها “معجوقة”، و”مخبوصة”، ولا تنطبق عليها أي قواعد منطقية، فالصديق بتصريحين يُصبح خصماً، والحليف لنا يناصر أعداءنا، والموالي للمنطلقات النظرية مُعارِض شرس لها على أرض الواقع، وغير ذلك الكثير.
وتعتقد أن ما يحصل في بلدنا من تدوير الطرابيش، واللعب من تحت الطاولة، و”الصفقات المشبوهة”، و”العلمانية الزائغة”، وغير ذلك من المُراوغة في “فن الممكن”، من غير الممكن أن يُساهم بـ”تظبيط” أي ملف في الحالة العادية، فكيف ضمن ظروف الحرب!
أما في الاقتصاد، فالوضع أكثر سواداً وتشويشاً، وتعتبر “خالتُنا” أن حالتنا تنطبق عليها مقولة “تشومسكي” بأن “الربح مُقدَّماً على الشعب”، وكل التسويغات المُعلَّقة على شماعات سعر الصرف، وتوتُّرات البورصة، والقطع الأجنبي، والعقوبات، وغيرها، هي مُجرَّد مكياجات لتبرير الرَّداءة في الإدارة.
وترى “الخالة أمّونة” أنه من غير اللائق السَّماح للدولار أن يتحكم بسعر “بيضاتنا”، ولا أن نترك له المجال لأن يلعب بِلَحْمِنا ودمنا، وأيضاً لا يجوز ترك الحبل للتُّجار كي يسرحوا ويمرحوا على حسابنا، وتوصي بتربيتهم، وتربية من يشدّ على أيديهم الآثمة، هم و”كِباريتهم”، ولو كانوا من رتبة وزراء.
ومن المطالب الاقتصادية التي تتضمنها مقاربات “خالتنا”: معاقبة كل من يدعم فكرة البطاقة الذكية وتكامليتها الغبية، معتبرةً إياها أحد أبرز الأسباب لتجويع الشعب، وهدر كرامته على الطوابير، وحرق أعصابه في انتظار رسالة “الشَّفَقَة المُرَّة” للغاز والسكر والرز وغيرها.
أما على الصعيد المجتمعي، فموقف “الخالة أمّونة” واضح وضوح الشمس، وتختصره بالعبارة التالية: “مجتمع إيه اللي أنت جاي بتقول عليه”، فالأسرة ليست مفككة وحسب، بل “مُفَرْطَعَة”، والعلاقات الاجتماعية مقتصرة على “أعجبني” و”أضحكني” و”أدعمه” و”أحزنني” وبعض “الإيموجيات” الأخرى.
وصلة الرَّحم مقطوعة، والأقارب عقارب، والأصدقاء افتراضيين، والأخوة أعداء، والزملاء “طقِّيقين براغي”، والمجتمع بأكمله “واقف على نكشة”، وكل الحمد والشُّكر أنه ما زال واقفاً، أما “العقد الاجتماعي” فَـ”مَفْسُوْخ” عن بكرة أبيه وأمّه.
أما كل من يتبجَّح بشعارات ثقافية طنَّانة ورنَّانة من مثل “ثقافتي هويتي”، فإن “الخالة أمُّونة” تنصحه بأن “يلعب غيرها”، لأنه في حياة الشعوب كلِّها لم يُحقِّق الكَمّ حراكاً ثقافياً حقيقياً، والمُباهاة بعشرات المهرجانات، والاحتفاليات، والفعاليات، والأصبوحات والأمسيات، لا يعني شيئاً.
المسرح يحضره بضعة مئات وفي أحسن الأحوال آلاف، والسينما جمهورها ليس أكثر بكثير، ومثلها الموسيقى. الكتاب مهجور منذ عقود، والتشكيل “لا تشكيلي ببكيلك”، ومن الآخر: “الثقافة الرسمية” باهتة وفي موت غير مُعلن.
ونظرة واحدة على فعاليات المراكز الثقافية، التي ما زالت مرجعيتها “الإدارة المحلية” يا سبحان الله، تجعلك على يقين بأن “الحياة هي في مكان آخر”، وبما أن “الخالة أمونة” تمشي على مقولة “الشغلة خدّ وعين”، فإنها تلوم أيضاً فعاليات المجتمع المدني لأنها لم تفعل شيئاً هي الأخرى.
من أجل هذا وذاك وتلك وذينك، تُطالب “الخالة أمونة” بالاقتراب من الناس، وسماع أنينهم وشكواهم، وألا يكون ذلك على مبدأ “إدن من طين والتانية من عجين”، فعلى هذا الشعب ألا يشعر نفسه يتيماً في كل لحظة: في السيرفيس، وعلى الفرن، وفي مكان العمل، وفي البيت،…
ولتحقيق ذلك كما ترى “الخالة” لا بد من تكليف “قاضي جوعان”، كذاك الذي طالب به “محمد الماغوط”، من أجل الإنصاف بأبهى حُلَلِه، بعيداً عن المحسوبيات وعدم الفهم الحقيقي لملابسات القضية التي نتهم بها كل يوم بأننا سوريين رفضنا مُغادرة بلدنا الذي نحب.
بديع صنيج- تلفزيون الخبر