سوريين عن جد

من هم شهداء السادس من أيار؟

لم يكونوا أول الشهداء ولا آخرهم، غير أن دمهم جاء ليكون طريقاً مرصوفاً برفض الاستسلام لأي عدوّ، موسوماً بالحرية، وعيداً لكل من يحمل صفة الشهيد في سبيل وطنه.

في السادس من أيار عام 1916، استيقظ أهالي دمشق على إعدام سبعة من رجالها الوطنيين المعروفين بوقوفهم في وجه الاحتلال العثماني، في ساحة المرجة وسط دمشق، لتصبح أعمدة مشانقهم “زينة الساحة”.

وفي الوقت والتاريخ نفسه، شهدت بيروت إعدام 14 رجلاً وطنياً في الساحة التي أصبحت فيما بعد “ساحة الشهداء”، وذلك على يد قائد الجيش العثماني الرابع، جمال باشا السفاح.

وبالعودة إلى الظروف التاريخية التي رافقت الإعدامات، كانت الدول العربية حينها ولايات تابعة للسلطنة العثمانية المنهارة بسبب الحرب العالمية الأولى، والتي كان يسيطر عليها حزب الاتحاد والترقي (المسؤول عن الإبادة الأرمنية).

وبدأت الدول الغربية، فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإيطاليا، بشكل أساسي بتنفيذ سياسات وخطط تضمن لها التواجد والنفوذ بعد انهيار الدولة العثمانية، تزامن ذلك مع ظهور شخصيات عربية قادت الوعي باتجاه إعلان استقلال الدولة العربية.

وللانتقام من هؤلاء، بدأ السفاح بإعدامات طالت في البداية 11 رجلاً وطنياً عام 1915، واستكملها في السادس من أيار عام 1916، بشهداء سوريا ولبنان الـ21.

وكما تروي المصادر، ففي 5 أيار 1916، غادر قطار خاص منطقة عاليه في “ولاية بيروت”، وهي المنطقة التي أقيمت فيها المحاكم الميدانية الصورية للشهداء، وكان يقل كل من: شفيق المؤيد العظم، عبد الحميد الزهراوي، الأمير عمر الجزائري، شكري العسلي، عبد الوهاب الإنكليزي، رفيق سلوم ورشدي شمعة.

وفي منطقة “رياق”، التقى القطار بقطار آخر ينقل عائلات الشهداء وغيرهم، إلى الأناضول، ليفترق بعدها القطاران إلى الأبد، أحدهم إلى دمشق والآخر إلى حلب.

ولدى وصول قطار دمشق إلى محطة البرامكة، منع الجند العثمانيون، الناس من استقبال الرجال، وقاموا بنقلهم إلى دائرة الشرطة في الليل.

وفي الساعة الثالثة من صبيحة السبت 6 أيار 1916، أنيرت ساحة الإعدام بالأنوار الكهربائية، وأمرت السلطة “السيد الشماس” صاحب مقهى “زهرة دمشق”، بإنارة مصابيح المقهى لتسطع بأنوارها على الساحة.

جيء بالمحكوم عليهم في ثياب الإعدام، وعلى صدورهم خلاصة الحكم الصوري، وبدئ بالتنفيذ أولاً بشفيق العظم، ثم عبد الحميد الزهرواي الذي انقطع به الحبل فرفعوه وعلقوه مرة ثانية، بعد أن شدوا رجليه شداً قوياً.

تبعه إعدام الأمير عمر الجزائري، ثم شكري العسلي، ولما جاء دور التنفيذ بعبد الوهاب الإنكليزي، أمسك به الجند بشدة لشدة بأسه ومراسه، وهو يشتمهم لفظائعهم ومظالمهم، ثم جاء دور رفيق سلوم، وانتهوا برشدي الشمعة.

ويذكر أدهم الجندي في كتابه “شهداء الحرب العالمية الكبرى”، أن “جمال باشا السفاح، كان يشاهد تنفيذ أحكام الإعدام بحق الرجال الذين قضوا مضاجع الاتحاديين في البرلمان التركي، من شرفة بناية “أحمد عزة العابد”، التي صادرتها السلطات العسكرية التركية”.

وفي الوقت الذي لبست فيه سوريا ولبنان أثواب الحداد، انطلق السفاح للاحتفال في إحدى قرى الغوطة، وعاد مساء مع بعض النساء وأتباعه يجولون في أسواق دمشق، حاملين باقات زهر رمزاً “للانتصار” بإعدام الوطنيين.

ولم يكتف السفاح بأعمال الاغتيال والإعدام، بل تم تنفيذ أحكام النفي بزهاء ثلاثمئة أسرة في سوريا ولبنان، وترحيلهم إلى الأناضول حيث وزعوا في مدنه وقراه.

ترافقت عمليات الإعدام مع الحرب العالمية الأولى وانتشار المجاعات والأمراض والمصادرات التي قام بها السفاح والحكام العثمانيون للمواد الغذائية، وسوق الرجال إلى الخدمة الإجبارية، فيما عرف بالـ”سفر برلك”.

“إياكم والحزن، فإني أكره الحزن والحزانى، وثقوا بأن روحي ترفرف دائماً فوقكم، فأراكم ولا ترونني، فإذا حزنتم أهرب من عندكم، وإياكم أن تغيروا ثيابكم أو عاداتكم”، ربما تلخص وصية الشهيد رفيق سلوم، أحد شهداء 6 أيار، وصية كل شهيد سوري.

وعلى مدى أكثر من 100 عام، بدءاً من الاحتلال العثماني ومن بعده الفرنسي ومجازر العدو “الإسرائيلي”، وصولاً إلى إرهاب التنظيمات والجماعات، تحولت كل ساحة في سوريا إلى مرجة من الشهداء، لتكون كما وصفها محمود درويش “العرس الذي لا ينتهي.. في ساحة لا تنتهي.. في ليل لاينتهي”.

رنا سليمان _ تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى