العناوين الرئيسيةمجتمع

الصيف الذي يعيد “أمجاد” سطح البيت الريفي

“سقفي سما بحالا”، جملة لطالما سمعت “يارا” خالها يرددها صيفاً، وهو يحمل “فرشته”وغطاءً سميكاً بعد انتهاء السهرة، ويعتلي سطح دار جدها الريفي، بعد أن تكون جدتها قد رشقت فيه بعض الماء لتبريده.

يعيد الصيف لأسطح المنازل الريفية على وجه الخصوص، ألقها، فتبدأ الأُسر فيها باستخدامها لطقوس خاصة بعد هجران شتوي طويل، وبعد أن يتم تنظيفها من آثار المطر وبقايا أوراق الأشجار التي رست عليها، يجري تجهيزها للسهر وحتى النوم، وهي عادة يألفها الريفيون في سوريا جيداً.

ويلجأ أهل البيت، من الرجال خاصة للنوم على الأسطح طلباً لبرودة المساء إثر النهارات الحارة، برودة تلزم وجود غطاء، وهرباً أحياناً من اكتظاظ المنازل التي يجتمع فيها الأبناء والأحفاد صيفاً، بعد أن يتخذوا بعض “الإجراءات” للحماية من هجمات الأفاعي والعقارب التي تكثر في هذا الوقت من العام.

Image may contain: mountain, sky, house, tree, outdoor and nature

ومن الأساليب التي يتبعها أهل القرى لتأمين هذه الحماية، “رش الملح” كما تقول أم يوسف (سيدة سبعينية) لتلفزيون الخبر، فالملح الذي يرش على أطراف السطح، يمنع العقارب والأفاعي من الاقتراب من النائم”.

وتتابع أم يوسف ” يضع البعض كذلك مادة القطران، ذات الرائحة الواخزة والتي تشمها الثعابين جيداً فتبتعد، ومن الممكن أن نرش بعض الماء المرقي، أي المبارك من أحد الرجال الصالحين المعروفين، ويؤمن القرويون بقدرته على رد الخطر”.

الأسطح صيفاً ليست فقط للنوم، لكنها بالطبع لتجفيف البندورة والبرغل والقمح قبل تخزينه، كما يستخدم لنشر الجوز واللوز اليابس الذي تم قطفه قبل استخدامه في المكدوس أو المربيات، وبالطبع لتجفيف التين لصنع “هبول التين” ومربى التين وغيره.

وتساعد مساحة الأسطح الواسعة والمعرضة لأشعة الشمس بشكل مباشر طوال ساعات النهار، على استخدامها لأغراض تجفيف المونة الشتوية بأشكالها، وحمايتها من الأوساخ والأتربة القريبة من الأرض.

Image may contain: one or more people

مجد آخر تعيده الظروف لأسطح المنازل الواسعة في الريف، هي اعتمادها “كصالات أفراح” مفتوحة، فمع ارتفاع إيجارات الصالات وتكاليفها، عادت بعض العائلات لتقيم حفلات أعراس أبناءها على الأسطح التي تستوعب أعداداً لابأس بها من المدعوين.

فيجري ترتيبها وتزيينها وتوزيع الكراسي والطاولات وترك مساحة للرقص والدبكة، في استعادة لأعراس الثمانينات وبداية التسعينات من القرن الماضي، والتي تشهد عليها صور أعراس نجدها في كثير من البيوت.

يصنع محمد (17عاماً) ورفاقه في كل صيف، خيمة من القصب على سطح منزل واحد منهم، يتعاون الجميع في جمع القصب وربطه وتجهيز المجلس الذي سيرعى سهرات تمنحهم خصوصية وتكلفة قليلة، بعيداً عن الأهل وتذمرهم من ضجة الاجتماعات.

ويشرح محمد لتلفزيون الخبر” منذ سنوات اعتدنا أنا ومجموعة من أصدقائي على صنع خيمة على السطح، باستخدام القصب أو النايلون السميك، في عطلة الصيف، نضع فيها كنبة قديمة وطاولة من بعض ألواح الخشب، مع عدة دائمة للمتة والنراجيل وغيرها، نقضي فيها معظم سهراتنا وقد ننام فيها.”

Image may contain: sky, tree, house, plant, outdoor and nature

خيمة القصب لا تكون في بعض الأحيان سوى عريشة من العنب الذي يشكل تكاثف أوراقها ظلاً جميلاً لجلسات صيفية لطيفة، على أن هذه العرائش أصبحت للأسف قليلة، بسبب قلة اهتمام الأجيال الجديدة بالمزروعات بشكل عام، وغياب عدد كبير من الشبان عن قراهم بعد الحرب.

بعض نساء القرية، يحولن أسطح منازلهن صيفاً، إلى حديقة كاملة، فينقلن بعض الأصايص والعلب ويزرعون الورود والحبق وبعض أنواع الصبار يوزعونه في إحدى الزوايا التي يجلس فيها الجميع مساءً للاستمتاع بنسمات عليلة ترافقها روائح جميلة، كما تفعل “جنى” وهي إحدى طقوس الصيف المحببة إليها كما تصف.

يمضي الصيف بأيامه القليلة، ويستعيد الشتاء سريعاً مجده وسطوته على الأرض والبيوت، دافعاً سكانها للاحتماء بين الجدران والسقوف، وناشراً ما بقي من قصب وأوراق يابسة على أسطح مهجورة، يفتقدها الكثير من السوريين في هذه الأيام.

رنا سليمان – تلفزيون الخبر

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى