خبز السوريين “السكلمة”
صحيح أنه “ليس بالخبز وحده يحيا الإنسان”، لكن في سوريا من الصعب أن يحيا من دونه، هذا ما تؤكده الكثير من الدراسات المعاصرة، والتي تنتمي لما بعد الحداثة، لاسيما بسبب “الجوع المزمن” و”الفقر المدقع” الذي شمل معظم السوريين.
وتؤكد إحدى تلك الدراسات الذي أصدرها الذين “تَفْرُك” معدتهم إذا لم يلتهموا على الأقل رغيفاً مع كل وجبة، ولو كان طعامهم “برغل بحمص”، أن الإجراءات الحكومية بتقليل حصة العائلة السورية من الرغيف كفيلة بزيادة تلك “الفَرْكة” المؤلمة.
إضافة إلى أن الموضوع يتفاقم في حال اضطروا لاستقبال أحد الضيوف على الغداء أو العشاء، خاصةً إن كان زائرهم من النوع ذاته، أي الذي “يضرب” رغيفاً “حاف” قبل أن يبدأ بتناول وجبته.
دراسة أخرى صادرة عن مركز “اضحك للرغيف الساخن”، أشارت إلى أن وجوه أعضاء المركز باتت بعكس شعار مركزهم، وذلك لأن تلك الأرغفة التي يحصلون عليها من غير الجائز أن يضحك أحد لها، فهي سوداء “مقرمدة”، وعلى الأغلب يدخل في تصنيعها خليط من الطحين والشعير، والخشية أن يضاف إليها بعض التبن مستقبلاً.
والأنكى، كما تشير الدراسة، هو صعوبة الحصول على ذاك الرغيف، فالطوابير تصل إلى زُحَل في بعض الأحيان، فضلاً عن الازدحام على نافذة البيع، وبذلك تحوَّلت الأفران إلى مراتع لتوزيع الكورونا “ع الفايت وع الطالع”، هذا إن أفلح المواطن بالخروج منتصراً بربطة أو ربطتين.
جميع السوريين لم يعترضوا على رفع سعر الخبز وتخفيف وزنه، لكن مع توفيره بيسر، ما جعلهم يتمنون على لجنة الأفران والمخابز أن توفره، مُبرَّداً مُغلَّفاً، وفي مراكز مؤسسات التجارة الداخلية، أسوةً بغيره من أساسيات المائدة السورية.
وفي ظل القدرة الشرائية المتهالكة للمواطن السوري، فإنه لا يستطيع الاعتماد على “الخبز السياحي”، ولا على “الخبز المشروح”، ولا يتحمل تكاليفهما، فالربطة الواحدة من السياحي باتت بـ1300 ليرة، والرغيف الواحد من المشروح صار بمئة ليرة.
وإن كان القصد من وراء قرارات الحكومة هو المحافظة على صحة المواطن، وتخفيف السُّكريات الموجودة في الخبز، وبالتالي إنقاص حجم “الكروش” المتدلية، فإن لسان حال أغلب السوريين هو: “انظروا إلى كروشكم أولاً”، لاسيما أن الكثير من العائلات باتت تعتمد على “الخبز الحاف” مصدراً أساسياً لغذائها.
ويتساءل مواطنون: هل يقف المسؤولون عن أمننا الغذائي على طوابير الأفران؟ وهل يقبلون لعائلاتهم أن يأكلوا مثل ذاك الخبز الرديء الذي تنتجه الأفران العادية والاحتياطية على السواء؟
وإن كانت قراراتهم تحدّ من عمليات المتاجرة بالطحين الأبيض، كيف أصبح رغيفنا أسوداً كالحاً تعافه حتى الحيوانات؟ ولماذا يرتضي المسؤولون أن يتوفر الخبز لدى المتاجرين به أمام أغلب الأفران؟ وكيف يسمحون لهم بأن يبيعوا الربطة الواحدة بألف ليرة؟
لكن على ما يبدو أن الخبز لم يعد خطاً أحمر، ولا حتى زهرياً،ربما اغمقّ قليلاً حتى صار لونه “سكلمة”، وبات مثله مثل غيره عُرضة لمن هبّ ودبّ، يتاجرون به على حساب المواطن المسكين، الذي لا حول له ولا قوة، ويكتفي بين الحين والآخر، بالحنين إلى الرغيف الأشقر ونكهته التي تشبه نكهة الأصدقاء، كما قالها مرة “مظفر النواب”.
بديع صنيج- تلفزيون الخبر