في اليوم العالمي للعزاب .. الزواج في سوريا “سترة أم بهورة أم جنون” ؟
كعادة كل الشعوب التي تكابد ويلات الحرب، يُصبح هم المواطن تأمين الحدود الدنيا من مقومات العيش، ويغدو كل ما فوق ذلك حلماً للأغلب الأعم.
وفي بلد مثل سوريا، غارق في أتون حربٍ أصابت البشر والحجر، وقبل كل ذلك الروح، أصبح كل شيء مكلفاً مادياً ومعنوياً، بغض النظر عن حجمه أو أهميته أو حتى كونه حقاً بديهياً، ف”الحرب لا تلتفت للحقوق”.
ومر الشباب السوري طيلة سنوات الحرب بظروف “ما أنزل الله بها من سلطان” أثقلت كاهلهم على جميع المستويات داخل سوريا وخارجها، فما يصعب تأمينه داخل البلاد لن يكون بالسهل تأمينه بعد الهجرة واللجوء.
“عيد السناغل” .. طقس للتندر عند الشباب السوري
بدأ السوريون، خلال السنوات القليلة الماضية، باختراع طرق يتندرون بها على وضعهم عن طريق الاحتفال بمناسبات عالمية لم تكن موجودة في سوريا سابقاً لإضفاء جو من الضحك على مرارة الأيام كـ “يوم السناغل” أو”العزاب العالمي” الذي يُصادف تاريخ 11/11 من كل عام.
وانتشرت على صفحات التواصل الاجتماعي المباركات بهذا اليوم “لمن نجا” من الزواج في ظل الأوضاع الحالية عدا عن “كوميك” التحسر مِن قِبل الأزواج والزوجات تحت عبارة “غلطة وندمان عليها”.
وانقسم الشباب السوري في تعاطيه مع الزواج بين عازف عن الفكرة جملةً وتفصيلاً، وبين مُقبل عليه إما لقدرة مادية أو لأنه سُنة الكون.
الوضع المادي السيء دعم الزواج بشكل أو بآخر
واعتبر البعض أنه وعلى الرغم من الوضع المادي الكارثي، إلا أن فرصة الزواج اليوم أصبحت أكثر قابلية خاصةً لدى أبناء الطبقات الفقيرة بسبب زوال الكثير من عقبات الزواج جراء الأوضاع.
وقال محمد لتلفزيون الخبر: “أنا خريج العام الماضي ومتزوج حديثاً، الزواج اليوم أسهل، في الماضي كان هناك مهر وحفلة ومعازيم”.
وتابع “أما اليوم بات الجميع يعلم أن هذه الأمور أصبحت من نسج الخيال، الحرب قللت طموحات الشباب والصبايا والأهل، فالمهم اليوم هو السترة”.
وتحدثت يسرا، ربة منزل، قائلة: “الوضع المادي والخوف على بناتي من الزمن الحالي دفعني لقبول العرسان دون أي نقاش، المهم أن يكون ابن حلال ويصون البنت معه”.
وأضافت “نعيش خمسة أشخاص في غرفة بعد وفاة زوجي أنا وأربع بنات، ما الحل؟ إما أن أراهن يمتن جوعاً أو أن يأتي ابن الحلال ويخفف عليهن”.
وانتشرت الكثير من القصص على مواقع التواصل الاجتماعي التي تتحدث عن عقود قران تمت مقابل مبلغ مادي زهيد جداً، ودون أي تكاليف أُخرى.
واكتفى سامر بالقول: “يلعن أبو هالزمن” لتأخذه بعدها نوبة بكاء وهو يُخبرنا كيف وافق على زواج ابنته مقابل تسديد العريس لديون العائلة والتكفل بمصاريف الأطفال الدراسية.
زواج الاقارب بات حلاً
عادت خلال السنوات الأخيرة فكرة زواج الأقارب باعتبار أن الأقارب يقدرون ظروف بعضهم، والمصلحة مشتركة بين الأهل في الحفاظ على العائلة فيدعمون بعضهم ويتحملون الظروف المعيشية السيئة لكليهما.
حيث سرد سميح لتلفزيون الخبر قصة زواجه من ابنة عمه “نحب بعضنا البعض منذ سنوات لكن ظروف العسكرية والوضع المادي أخّر الارتباط.. وبعد التسريح، ذهبت مع أبي لمنزل عمي وطلبنا ابنة عمي”.
ويضيف “اليوم نعيش معاً في غرفة في منزل أهلي، لم أتكلف أي تكاليف مادية، ولم يطلب عمي سوى أن أهتم بها وألا ألحق بها مكروه”.
الشباب: لماذا سأتزوج؟
عزف جزء مهم من الشباب السوري عن فكرة الزواج، فالوضع المادي والمعنوي والأمني لا يجعل هناك قدرة أو رغبة بالزواج.
وأكد قاسم، وهو طالب جامعي، “أمي في كل يوم تذكر الفكرة أمامي عشر مرات.. لكن كيف؟ ولماذا؟ هل سأتزوج لألحق الضرر ببنات العالم.. البيت حلم والوظيفة لا تكفي الخبز، وهموم الحياة لن تجعل هناك فرصة للوداد والمحبة.. الفكرة بأكملها جنون”.
ورأى سليم أن “هذه البلاد على كف عفريت، اليوم هدوء وغداً حرب وهكذا دواليك، عدا عن الوضع الاقتصادي الكارثي وغياب كل الأساسيات”.
وتابع “إضافة إلى انعدام فرصة اللجوء بسبب كورونا، كل شيء يوحي بمستقبل ليس ضبابياً بل واضح في سواده، فلماذا نتزوج وننجب أطفالاً يعيشون في مثل هذه الظروف”.
سوريون من كوكب آخر
وعلى المقلب الآخر، انتشرت في عز الأزمة الاقتصادية التي تعصف بالسوريين الكثير من القصص عن أعراس “ملكية” ومهور “فلكية” أقامها سوريون سواء في الداخل أو الخارج.
وكان لعام 2018 النصيب الأكبر خلال سنوات الحرب من “الأعراس المخملية” حيث شهدت فنادق ومنتجعات وملاعب البلاد العديد من حفلات الأعراس “لأبناء الذوات” من المسؤولين ورجال الأعمال، أحياها نجوم الغناء العربي مع “بروباغندا” وتكاليف مادية باهظة جداً.
وأقام الملياردير السوري وفيق سعيد عام 2012 حفل زفاف لابنته في قصر “فيرساي” الفرنسي، حيث قدرت وكالات تكلفته بأكثر من 100 مليون دولار، بينما أقامت حفيدة نائب الرئيس السابق عبد الحليم خدام زفافها في دار الأوبرا بباريس.
كما أقام الملياردير السوري في مصر باسل سماقية حفل زفاف سوري “أسطوري” في مصر، بتكلفة نصف مليون دولار على السورية زينة وتار، في عام 2018، غنى فيه عمرو دياب وراغب علامة، ليعود في عرس آخر وزفاف مماثل على أخرى عام 2020
وكان القاضي الشرعي الأول بدمشق محمود المعراوي أكد لصحيفة “تشرين” الرسمية، في وقت سابق، أن “القضاء سجل في عام 2018 حالتين لمهر كبير الأولى 50 مليون ليرة مقدم صداق، ومثلها مؤخر، والثانية 100 مليون ليرة معجل، و7 ملايين ليرة مؤجل”.
يذكر أن أصل عيد “العزاب” هو الصين وذلك حين اتفق أربعة طلاب ذكور في عام 1993 من جامعة “نانجينغ” على أن 11 تشرين الثاني سيكون يوماً للأنشطة والاحتفال بشرف كونهم عزاب، ومن ثم انتشر العيد عالمياً.
جعفر مشهدية – تلفزيون الخبر