منحوتات “محمد حافظ”.. التذكير بجمال سوريا
يسعى الفنان السوري “محمد حافظ” المقيم في الولايات المتحدة إلى ابتكار فن يذكّر الناس بجمال بلده، لذا نرى في كل تفصيلة من منحوتاته إحياء لجزء من سوريا.
وفي متحف “بروكلين” بنيويورك يتجول “حافظ” على مقربة من أعماله الفنية المعروفة، مراقباً عن كثب ردود أفعال الزوار. يلتقط بعدسة هاتفه مقاطع فيديو أو يتلو وصفاً لسوريا بين الماضي والحاضر، لكنه يحاول ألا يكشف هويته.
يعلل ذلك في إحدى حواراته مع صحيفة الغارديان: “لا أريد التكلم، لأنني إن فتحت فمي وبُحت بأني مهاجر سوري ، فلعل بعض الجمهور سيسارع إلى تكوين ملايين الأحكام المسبقة عني بشتى الطرق، ولعلهم سيصمون آذانهم أو قلوبهم عن رسالتي. لذا أترك عملي يتحدث بالنيابة عني”.
أعماله الفنية التي أكسبته الشهرة، بحسب تصريحاته، كان رد فعل عفوي وعلاجي على قيود السفر التي فرضها جورج بوش الابن على البلدان العربية، والتي خلقت عقبات ومصاعب حالت دون زيارته لوطنه منذ أكثر من خمس عشرة عاماً.
وفي السنوات الأخيرة، بعد الحرب على سوريا، تطورت أعمال “حافظ” الفنية لتصور منعكسات الحرب الاجتماعية والاقتصادية، وما حصل للبشر والحجر والشجر.
أضحت منحوتاته وسيلته لـ”يبكي إبداعياً”، كما يقول” ضياع الثقافة والعمران في وطنه الأم، حيث قصفت مئذنة عمرها 1200 عام فمُحيت عن الأرض، وحيث كانت مبانٍ تضاهي الفاتيكان قائمة شامخة، فما عادت وقد لا تعود.
يقول الفنان السوري: “أشعر أن من واجبي صنع هذا الفن. إنه ليس ميزة ولا بذخاً، بل واجب، ولمن يصف نجمي الفني بأنه آخذ في الصعود، فإنني أرى ذلك حقيقة حلوة ومرة في آن، فمَن هذا الذي يود أن يشهر نجاحه على أشلاء أُمته وثقافته؟”.
ويضيف: “بودي أن أرمي كل أعمالي في القمامة دونما تردد لقاء الحصول على ثلاث ساعات من حياتنا السابقة”.
ولأنه يتوقع أن يتأخر موعد عودته إلى سورية، ولأن هناك الكثير من السوريين بدأوا يتخلون رويداً رويداً عن الفكرة الشاعرية بالعودة إلى أرض الوطن، فلا يتبقى أمامهم سوى مجموعة قصص وذكريات يحملونها معهم أينما حلوا، يقول “حافظ”: “لا يمكنني فَرْمَتَةُ قلبي ونسيان الماضي، لذا قررت من خلال منحوتاتي أن أُحضر الشام إلي”.
إلهامه واكتشافه هذا دفعه ليوغل داخلاً وينتج سلسلة جديدة من المنحوتات المستلهمة من حلب ودمشق القديمتين، وكل قطعة من قطعه الفنية تمثل مئات الساعات من العمل، وهذا بالنسبة له أمر جيد؛ لأن عملية النحت هي العملية التي تمنحه العلاج والشفاء، لا المنتج النهائي.
وفي سلسلته الجديدة “أذان دمشقي”، يحن حافظ إلى عبق ماض غير بعيد في سوريا، واضعاً كل نموذج داخل إطار مرآة يحاكي الطراز الفيكتوري الذي راج في سوريا فيما مضى، لكن تلك الإشارة الزمنية تتجاوز حدود الجماليات وتذهب إلى مخاطبة الحِمل العاطفي الذي يجده الفنان بداخله.
يقول: “عندما تنظر في المرآة تتوقع أن ترى انعكاسك فيها، أما بالنسبة لي فلست أرى انعكاسي. أنا لا أستطيع الهرب من ذكرياتي ولا من حنيني إلى الماضي وإلى وطني، ولهذا فإن ما أراه منعكساً في المرآة هو هذه الأفكار”.
إحدى منحوتاته الجديدة نموذج مصغر لباحة بيت دمشقي، معروض الآن في معرض مؤقت بمتحف بروكلين، ويبدو هذا النموذج كالبيت الذي نشأ فيه والده؛ بيت مطمئن بالسلام الذي كان يعم سوريا وغني باللحظات اليومية المفعمة بثراء الثقافة مثلما يتذكرها حافظ.
ومن خلال منحوتاته، يأمل حافظ أن يرى الأطفال السبب الذي ينبغي أن يدفعهم للفخر بكل ما لديهم، بما في ذلك وطنهم الأم. يقول: “علينا واجب تجاه الأجيال التي نشأت لا تعرف سوى الحرب والنزاع في المنطقة… علينا تذكيرهم بالعصر الذهبي لثقافتنا”.
ويضيف: “لهذا السبب ليس أي من الإطارات يجسد دماراً، بل العمران الجميل القديم والعتيق الذي يظهر عراقة آلاف السنين من التاريخ والثراء”.
تلفزيون الخبر