أول من لحن “الأوبريت” .. ماذا تعرف عن الموسيقي السوري كميل شمبير ؟
يعد الموسيقار الراحل كميل شمبير أشهر أعلام الموسيقا في مدينة حلب الذين قدموا للحركة الموسيقية الغنائية العربية أروع الأعمال في مجال التأليف الموسيقي والأغنية والمسرحية الغنائية.
فضلاً عن دأبه المتواصل في تطوير الآلات الموسيقية الغربية وتطويعها لمتطلبات الغناء والموسيقا العربية بطبيعتها الخاصة والمتميزة وخاصة بتطويعه لآلة البيانو.
كما يحسب له بأنه أول من فكّر في وضع وتلحين روايات غنائية “أوبريت”، وله من هذا النوع رواية “توسكا” التي تعد أول أوبرا عربية لحّنها موسيقار عربي، ولو لم يأخذ عنه “فرح انطون” هذه الفكرة التي دفعته إلى تعريب رواية “كارمن” وتلحينها وتمثيلها، لكانت “توسكا” أول رواية غنائية عرفتها مصر.
وإلى جانب كل ذلك لم يكن كميل موسيقياً وملحناً فقط، بل كان أيضاً ممثلاً وروائياً وكاتباً وزجالاً من الطراز الأول.
ولد كميل شمبير في حلب في 8 آذار 1892، أجاد العزف على عدد من الآلات الموسيقية منذ كان طالباً في روضة الأطفال في مدرسة الراهبات “الفرنسيسكان” في المدينة.
وهناك تعلم العزف على الكمان، كما أجاد العزف على العود أثناء تدرجه في المدرسة عاماً بعد عام، قبل أن ينتقل إلى آلة البيانو التي شغف بها حباً، وكان أول من ذلّل البيانو العربي وضبط أوزانه لإخراج الألحان الشرقية منه.
سافر إلى إيطاليا لإكمال دراسته الموسيقية، وهناك اطلع على روائع الموسيقا العالمية، ودرس بصورة خاصة فنون الأوبرا والأوبريت اللذين تعد إيطاليا مهدهما الأول، وأصبح بذلك مجيداً للفرنسية والانكليزية والتركية ثم الإيطالية إضافة إلى لغته الأم العربية.
بعد دراسته في إيطاليا عاد إلى حلب ليعمل فترة في تدريس الموسيقا في المدرسة الشيبانية، ثم انتقل للعمل في مؤسسة سكة حديد بغداد التي كانت تقوم بتمديد الخطوط الحديدية في سوريا والعراق.
وعندما اندلعت الحرب العالمية الأولى عام 1914 سافر إلى مصر، وهناك تعرف على عمالقة الموسيقا فيها، وفي مقدمتهم سيد درويش الذي أثر في شخصيته التلحينية، حيث برز هذا في لحن شمبير الشهير “نويت أسيبك”.
كما كان لشمبير مسرحيات غنائية أهمها (الفنون الجميلة، عقبال عندكم، الغريب البائس، شهر العسل، النونو)، أما العمل الكبير الذي ألفه شمبير ولم يعرض فهو “أوبرا توسكا” التي ترجمها عن الإيطالية واستغرق تلحينها عامين.
أما عند عودته إلى حلب عام 1922 فقدم أوبريت حلب على المسرح، كما اشترك في أوائل الثلاثينيات مع الشاعر عمر أبو ريشة والدكتور فؤاد رجائي والشيخ علي الدرويش وأحمد الأوبري في تأسيس النادي الموسيقي في حلب.
وكانت درة أعمال النادي تقديم أوبريت “ذي قار” مسرحية عمر أبو ريشة المشهورة، وهي من ألحان كميل شمبير.
أما من أبرز الأناشيد التي لحنها: (نشيد الشرق، سورية، بغداد، لبنان، الراية، الحرية، الكلمة، سورية الجميلة، يا بلبل الأوطان، يا بلاداً فى جبين المشرق).
كما لحن عدداً لا بأس به من الروايات التمثيلية من نوع الأوبريت منها ما هو مقتبس، مثل: (حلب على المسرح عقبال عندك، شهر العسل، النونو، المجرم، ساعة الحظ، الحب ياما لوع، غني وفقير).
إضافة إلى المونولوجات التي لحنها: (اذكريني، الخيال، سكن الليل، نبئيني يا حمامة، نجمة الليل، يا بلاداً، أيها الغزال، أتت هند تشكو)
وفي قالب الطقطوقة، لشمبير سبع وعشرون طقطوقة، لعل أشهرها: الدنيا ديه ضحكة ولعبة، نويت أسيبك، طوّل بالك، حماتي، زفة العروس، الصبر طيّب، وحياة عيني ما ميل للغير، يا درة نيلي يا مشوية).
كما وضع مارشات موسيقية بديعة، منها: (مارش سوريا، الملك فيصل، الملك فؤاد، المقطّم، الاتحاد، النهضة)، وله غير ذلك آثار عدة مبعثرة ومخطوطات قيّمة في عالم الموسيقا، منها كتاب “أصول تركيب الأنغام”.
وسجل كميل شمبير بعض الأسطوانات من تقاسيم وسماعيات وبشارف ضاع معظمها ولم يبق منها إلا القليل، ومن التقاسيم الرائعة التي ابتكرها: (تقسيم عجم، سيكاه، صباه، حجاز، نهاوند، راست، بيات، يكاه، نوى أثر، لونغا شاهناز، حجاز كار، حجاز كار كردي، حجاز كار على الواحدة).
توفي كميل شمبير سنة 1934 في دمشق مخلفاً وراءه تراثاً ضخماً من الأعمال الفنية القيمة في مجالات وقوالب متعددة، بما قدمه من تنوع في مجال التأليف الموسيقي والألحان من أنماط قديمة معروفة إلى أساليب جديدة تتسم بالخفة والروح الشعبية المحببة.
ما جعل الكثير من الأدباء والشعراء يرثونه بعد وفاته، وعلى رأسهم صديقه الشاعر عمر أبو ريشة بقصيدة “مصرع فنان” التي قال فيها: “نام عن كأسه وعن أحبابه قبل أن ينقضي نهار شبابه.. يا بنات الغروب قد نفض الليل على الكون حالكات نقابه.. احملي الراحل الغريب وسيري بالزغاريد سلوة لاغترابه.”
تلفزيون الخبر