السوريون يتطلعون نحو زيادة الرواتب.. واقتصاديون: الأولى ضبط الأسواق وزيادة الإنتاج
لطالما انتظر السوريّون بفارغ الصبر مرسوم لزيادة الرواتب، وزاد من آمالهم البيان الوزاري الذي تم مناقشة مسودّته يوم الثلاثاء الماضي في مبنى رئاسة مجلس الوزراء، والذي نصّ في الخبر الرسمي على تحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي للمواطن.
التقى تلفزيون الخبر أكاديميين اقتصاديين لبحث إمكانية زيادة الرواتب في الوضع الحالي، وفي حال كان ذلك ما هي إمكانية تمويلها؟ وما هي النسبة التي يمكن إضافتها لتحسين الوضع الاقتصادي والمعيشي للمواطن؟
خبير العلوم المالية والضريبية محمد خير العكام، أكد في تصريحه لتلفزيون الخبر، أن الوضع الحالي للمواطن يتطلب زيادة الرواتب اعتباراً من يوم غد.
وأوضح العكام أن أغلب الدراسات الاقتصادية اليوم تشير إلى أن متوسط إنفاق الأسرة السورية، لا ينقص عن 500 ألف ليرة شهرياً، وبالتالي يوجد هناك هوة واسعة بين معدل الأجور الذي لا يتجاوز في حدوده القصوى 100 ألف ليرة، ومعدل الإنفاق الشهري.
وأشار إلى أنه “في العام الماضي صدر مرسوم زيادة الرواتب، بعد ارتفاع سعر الصرف من 500 إلى 750 ليرة، في حين وصل سعر الصرف في العام الحالي إلى 1250 ليرة حسب سعر المصرف المركزي”.
وتابع “وإلى ما يزيد عن 2000 ليرة بالنسبة للسلع التي لا يمولها المصرف المركزي عند استيرادها، ما أدى إلى زيادة في الأسعار تصل إلى ثلاثة أضعاف عما كانت عليه في العام الماضي، معتبراً ان ذلك يقتضي زيادة سريعة للرواتب”.
وتساءل العكام فيما إذا كانت الحكومة قادرة على تمويل زيادة الرواتب من موارد حقيقية، مشيراً إلى أن الوضع الاقتصادي السليم يقتضي تمويل زيادة الرواتب من أرباح الإنتاج، وزيادة الدخل القومي للدولة.
و أكد أن ذلك ممكن في حال تم التركيز على العملية الإنتاجية، التي تعرّضت في العامين الأخيرين إلى استهداف ممنهج، ما تسبّب بتدني سعر صرف الليرة السورية، والذي أدى بدوره إلى حدوث نتيجة عكسية وهو انخفاض قيمة الأجور المنخفضة أساساً.
وأضاف: في حال نجحت الحكومة في تنشيط العملية الاستثمارية والإنتاجية في سوريا فهذا ممكن أن يؤدي إلى زيادة حقيقية في الرواتب، وسينعكس ذلك حتماً على أسعار السلع والخدمات ويؤدي إلى تخفيضها أيضاً، ما يخفف بالتالي تكلفة زيادة الرواتب.
وأشار العكام إلى أنه في حال كانت الحكومة قادرة على ضبط الأسعار وخاصة السلع الأساسية، فهذا يقتضي ألا تكون زيادة الرواتب كبيرة، أما في حال تركت الأسعار كما هي الآن فهذا يقتضي أن تكون الزيادة بنسبة تزيد عن 200% على الأقل.
ويرى العكام أن الحكومة تعمل حالياً على تخفيض سعر الصرف، مستدلاً في ذلك بأنه منذ شهرين كان سعر الصرف في السوق الموازي يتجاوز ثلاثة آلاف ليرة، أما الآن فقد وصل إلى حوالي 2000 ليرة.
وأضاف ” وهذا يعني أن الحكومة نجحت في تثبيته، معتبراً أنها إذا قامت بجهود في هذا الإطار وقامت بتخفيض سعر الصرف فهذا سيؤدي إلى تخفيض سعر الخدمات المقدمة، ما سيجعل خطوة زيادة الرواتب أضمن مما هي عليه لو كانت الأسعار كما هي عليه الآن”.
واقترح العكام أن تعمل الحكومة على اتجاهين اثنين، أولهما تخفيض سعر الصرف، ورفع معدل الأجور، وثانيهما زيادة الإيرادات الحقيقية في سوريا الناتجة عن زيادة العملية الإنتاجية، وزيادة عملية الإيرادات الضريبية من خلال محاربة الفساد الضريبي والتهرب الضريبي.
وأضاف ” إذا نجحت الحكومة في ذلك فترفع لها القبعة، أما إن استمر الأداء كما كان عليه في الحكومة السابقة فسنبقى نراوح في مكاننا.
وأكد أن كل زيادة في الرواتب في الدول النامية تؤدي إلى ارتفاع الأسعار، بسبب عدم وجود جهاز إنتاجي متنوع وضخم قادر على امتصاص الزيادة في السيولة، ما سيزيد الحاجة إلى ردم الهوة عن طريق الاستيراد، مضيفاً: الأمر الذي يعني زيادة فاتورة الاستيراد، والتي تؤدي بدورها إلى ارتفاع سعر الصرف ما يعني أننا سنبقى في نفس الدوامة.
من جانبه نصح الأستاذ في كلية الاقتصاد في جامعة دمشق شفيق عربش، بعدم زيادة الرواتب، إلا في حال ضبط الأسواق، وإطلاق العملية الإنتاجية.
ورأى عربش أن الحكومة لا تتوفر لديها موارد لزيادة الرواتب، مشيراً إلى أنها في حال استطاعت تأمين بعض الموارد من الوفورات، فسيكون لزيادة الرواتب انعكاس سلبي كبير على المواطن، معتبراً أن خير تجربة هي زيادة الرواتب الأخيرة والتي أدت إلى تفاقم الأسعار بشكل كبير.
وأردف: كذلك إن عدم توافر السلع بالكميات الكافية لتتناسب مع الدخول الجديدة، ستؤدي إلى تضخم كبير وحالة ركود اقتصادي أقسى من التي نعيشها اليوم.
ورأى عربش أن سورية اليوم بحاجة إلى إطلاق العملية الإنتاجية، وإصلاح ضريبي يؤمن موارد للدولة، باعتبار أن موارد الدولة الآن يتم تحصيلها من الضرائب على الرواتب والأجور، باستثناء من هم يقومون بسرقة لقمة عيش المواطن الذي يتهربون من الضرائب دون وجود حسيب أو رقيب.
وبيّن عربش أن القيمة الشرائية فقدت أكثر من 80% خلال
تسعة أشهر، معتبرا أن زيادة الرواتب اليوم ستؤدي إلى نتيجة مدمرة، مشيراً إلى أن الحل يتمثل بضبط الأسواق بالشكل الفعال، لافتاً إلى وجود حالة من الفلتان في الأسواق، يتوسطها عدم قيام وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك بدورها الفعال، معتبراً أنها تقوم بكل شيء إلا حماية المستهلك.
وأضاف عربش: إذا أجرينا إسقاط على مسح دخل ونفقات الأسرة السورية الذي تم إجراؤه في عام 2009، وإعلان نتائجه في عام 2010، فسنستنتج أن حجم الإنفاق الشهري اليوم لأسرة مكونة من 5 أشخاص، يبلغ بشكل وسطي حوالي 600 ألف ليرة في الأشهر العادية
وأشار إلى أن المواطن اليوم يؤمن فقط ما يسد جوعه، لافتاً إلى أن 85% من السوريين تحت خط الفقر.
جلّنار العلي – تلفزيون الخبر