هل تحولت بعض مدارس حلب الخاصة إلى “دكاكين” ؟ .. طرد طفل من مدرسة بشكل غير قانوني
ترافق زيادة انتشار ظاهرة المدارس الخاصة في سوريا، استغلال بعضها الواضح والصريح للمواطنين، وبنتيجة طبيعية، ذهب البعض إلى محاولة الـ “تحكم” في “سوق التعليم”، حيث تمكن بعضٌ من أصحاب تلك المدارس من التوغل داخل الأنظمة والقوانين بما يساعدهم، بكل سهولة، على تخطيها دون أي رقابة أو محاسبة فعلية تطالهم.
ما سنعرضه هو واحدة من تلك الممارسات التي تعكس ما وصل له البعض في قطاعنا التعليمي، والذي إن بدا حالة خاصة، فإنه يمكن إسقاطه على حالة، بل وتعميمه.
رفع أسعار بشكل مخالف للقانون ..
في حلب، فوجئ أهل أحد الطلاب في إحدى المدارس الابتدائية الخاصة بتحديد الإدارة موعد نهائي بتاريخ 7-6-2020 لتسديد القسط عن العام الدراسي القادم مع رفعه لقرابة الضعف، من 250 ألف ليرة سورية إلى 400 ألف ليرة سورية.
وتحدث والد الطالب لتلفزيون الخبر أنهم “بدايةً ذهبوا لدفع نصف القسط قبل الموعد المحدد بشكل طبيعي، ليتم إخبارهم أنه ارتفع لـ 400 ألف ليرة سورية، بحجة “كلشي غليان والليرة ما عادت متل أول”، ليأخذوا حسبهم الله ويطلبوا من إدارة المدرسة إمهالهم يومين لتأمين المبلغ”.
وأضاف والد الطالب: “إلا أن ما حصل حينها أن إدارة المدرسة زادت على حديثها أن القسط هو 400 ألف قابل للزيادة”، فما معنى “قابل للزيادة”، كان الجواب بأن “الأسعار عمترتفع ممكن يزداد القسط لقدام”، ليتابع: “هنا أخبرت زوجتي الإدارة أن عليها إطلاعي أولاً على هذا الأمر”.
وذكر الوالد أنه “تواصل مع إدارة المدرسة لمعرفة ماذا يعني قابل للزيادة وما سببها، ليكون الجواب ذاته، وهنا عبرت عن اعتراضي عن الأمر وبعد صد ورد، طلبت من المدرسة الصبر علي لحين تأمين المبلغ وحل البلاء الذي فرضته المدرسة علي تحت تهديد فصل ابني منها”.
وتابع: “بعد تأمين المبلغ كان الوقت الذي فرضته المدرسة على هواها لدفع الأقساط بتاريخ 7-6-2020، مضى عليه يومين بالضبط، إلا أني كنت أخبرت المدرسة أني سأقوم بتأمين المبلغ وقالوا أنهم وضعوا اسم ابني بالرصاص”.
وأضاف: “عندما ذهبنا لدفع القسط، كانت المدرسة اتخذت قرار فصل ابني بسبب التأخر بالدفع، بحجة أنه: “انتصب علينا من قبل وفي عالم نصبو علينا وماكملولنا مصاري ولم يعد هناك مقعد بسبب سداد العدد بناءً على القدرة الاستيعابية”.
ويشار إلى أن تحديد المدرسة لموعد نهائي لدفع الأقساط لها هو أمر يتعلق بنظامها الداخلي، فإن رفعها الأقساط بهذا الشكل على هواها، يأتي دون وجود أي موافقة لها من قبل وزارة التربية على الأسعار الجديدة، ومنه فإن فصل الطالب جاء بناءً على تأخر الأهل عن موعد الدفع الذي سببه ارتفاع القسط بشكل غير شرعي.
وعلى مبدأ “كلشي لحال”، أصبحت المدرسة المذكورة فجأةً بعد فشلها بتقديم تبرير مقنع للأب، “تلتزم بالقانون”، فصحيح أنها رفعت القسط على هواها ناسيةً وجود أنظمة وقوانين، لكن بذات الوقت عندما يصل الأمر لإعادة طالب قامت بفصله بهذا الشكل، فإن هذا الإجراء يحتاج لـ “موافقة واستثناء من التربية”، خوفاً من مخالفة شرط “القدرة الاستيعابية”.
من أعطى الضوء الأخضر للمدرسة على الأسعار؟ وهل ينوب موظف عن رئيس دائرة ؟
لم يكتف الأب بالاعتراض والنقاش الذي دخل فيه مع إدارة المدرسة، بل توجه مباشرةً لمديرية تربية حلب، مقدماً بشكوى هي من حقه القانوني الطبيعي، على المدرسة التي فصلت ابنه دون حق.
المشكلة الأساسية هي رفع الأقساط، وهذا الرفع فرض قبل وجود موافقة عليه من الوزارة، فكيف لهكذا مدرسة أن تتجاوز جهة حكومية وبهذه الثقة؟، ما حصل بين جدران دائرة التعليم الخاص يكشف عن جزء من هذا الأمر.
يسرد المواطن ما حصل معه عندما توجه لدائرة التعليم الخاص، متقدماً بشكواه لمسؤولها “الذي تفاجأ من الأمر وعبر عن امتعاضه من المدرسة وتصرفها، وقام مباشرةً بإجراء اتصال هاتفي مع إدارتها مؤكداً عليهم أنه لا يحق لهم ضمن الأنظمة والقوانين فصل طالب بهذا الشكل”.
وهنا كانت المفاجأة الأكبر بما جاء من رد المدرسة على المسؤول حين سألهم “من سمح لكم فرض التسعيرة الجديدة قبل وصول الموافقة عليها؟”، فبحسب ما نقله الأب الذي كان جالساً مستمعاً للحديث الهاتفي، كان جواب المدرسة بأن “الموجهة في المكتب عطتنا الموافقة شفهياً عندما لم تكن حضرتك في المكتب”!، (الموجهة موظفة في الدائرة).
هل ما قامت به مدارس حلب قانوني؟ وكيف يصبح قانونياً؟
ما جرى أن المدارس الخاصة قدمت منذ أشهر لوزارة التربية طلبات للموافقة على أسعار جديدة تماشياً مع الوضع الاقتصادي الذي تعيشه البلاد، وكان الرد من وزارة التربية أنه سيتم دراسة الأسعار وإصدار الموافقات للمدارس تباعاً.
أي أن الوزارة لم تعطِ الموافقات مباشرةً، بل كانت واضحة بأنه سيتم دراسة الأسعار ومن ثم إصدار قرارات بالموافقة لكل مدرسة، الأمر الذي حصل بالفعل عبر دفعتين، الأولى صدرت نهاية الشهر السادس، والثانية صدرت أول الشهر السابع.
وفي كلا القرارين لم تعطِ وزارة التربية أي موافقة لأي مدرسة في محافظة حلب، بل كانت الموافقات جميعها لمدارس في محافظات دمشق وريف دمشق وحمص وحماة ودرعا.
ومنه يظهر واضحاً أن العديد من المدارس في حلب، ومنهم المدرسة المذكورة، رفعوا الأسعار وفرضوها قبل صدور الموافقة التي لم تأتِ حتى ساعة تحرير الخبر.
بالمقابل، فإن الوزارة سبق لها أيضاً أن أعلنت بالشهر الخامس تعميمها على مديرياتها في المحافظات كافةً “إبلاغ أصحاب المؤسسات التعليمية الخاصة عدم زيادة الأقساط السنوية قبل الحصول على موافقة الوزارة أصولاً، تحت طائلة اتخاذ الإجراءات القانونية بحق المخالف منها، ومساءلة المعنيين بالإشراف عليها في حال عدم إبلاغهم عنها”.
وأكدت الوزارة أنه “يجب توجيه أصحاب المؤسسات التعليمية الخاصة الراغبين بزيادة أقساطهم السنوية برفع مقترحهم للزيادة كموعد أقصاه حتى تاريخ 15-7-2020، ولايتم النظر بأي طلب بعد تاريخه”.
وأوضح مصدر مسؤول في مديرية تربية حلب لتلفزيون الخبر أن “الطلبات موجودة لدى الوزارة ويتم العمل على دراستها وإصدار موافقاتها”.
ورجح المصدر أن يكون “التأخر بسبب ضغط الامتحانات الذي حصل الفترة الماضية”، أي أن رفع الأقساط وفرضها من قبل تلك المدارس جاء قبل صدور الموافقات، بتجاوز واضح للأنظمة والقوانين.
أما من دفع السعر الزائد قبل صدور الموافقة، فبحسب تصريحات سابقة لمستشار وزير التربية تمام هلال، نقلته وسائل إعلامية، فإنه “يحق لأولياء الأمور الإطلاع على الموافقة الممنوحة للمدرسة بزيادة أقساطها، وإن لم توجد، يحق لولي الأمر الاطلاع على القسط الأساسي المحدد في قرار ترخيص المدرسة، وفي حال وجود أي حالة غبن، يستطيع تقديم شكوى مباشرة في مديرية التربية”.
“ابرة بنج” بـ 3 مليون ليرة سورية.. ومحاولات التفاف على المخالفة الأساسية
وبعد هذه الحجج التي قدمت للمشتكي دون إيجاد أي حل لمشكلة ابنه ومحاولة المعنيين في التربية إقناعه هو وإدارة المدرسة بحل الموضوع “سلمياً” بحسب وصفهم، لم يكن هم الأب سوى إعادة مقعد طفله، الأمر الذي رفضته المدرسة كما ذكرنا سابقاً، بسبب “القدرة الاستيعابية”، متناسيةً أن تصرفها بفصل الطفل ورفع الأقساط هو غير قانوني بالأصل.
وتوجه الأب في شكواه إلى وزارة التربية عندما كان متواجداً بقصد العمل في دمشق، وقدمت له وعود بمتابعة الموضوع، وعند عودته لمدينته حلب، أكد أنه “تعرض لضغوطات لإنهاء الشكوى ونسيان الموضوع من قبل بعض الأشخاص”، إلا أن المشتكي أصر على حقه.
وبعد فترة من الوعود بمتابعة الموضوع، ورد للأب اتصال هاتفي من مسؤول دائرة التعليم الخاص بتاريخ 15-7- 2020، يخبره أنه “خالف المدرسة المذكورة بـ 3 مليون ليرة سورية”، ليصف المشتكي الأمر لتلفزيون الخبر على أنه “ابرة بنج”، قائلاً: “أخبرني المسؤول أنه (هي كرمالك خالفنا المدرسة 3 مليون)”.
وأشار المشتكي إلى أن “المخالفة فعلياً لم تكن بسبب رفع الأقساط أو فصل ابني من المدرسة، بل تبين أن المخالفة هي عن العام الماضي وليس عن العام الحالي، ولا علاقة بمشكلتي فيها على الإطلاق، بل هي مخالفة قدرة استيعابية”.
ولفت المشتكي إلى أن “ما يحصل هو محاولة للالتفاف على المخالفة الأساسية وهي رفع القسط والفصل، ليذهبوا لمخالفة المدرسة على القدرة الاستيعابية، وبذات الوقت لتكون زيادة في حجة أنهم لا يستطيعون إعادة مقعد ابني بسبب ذات الأمر الذي خولفوا بسببه وهو القدرة الاستيعابية”.
ماذا عن مخالفة رفع الأقساط وفصل الطفل؟
أمام المحاولات العديدة للمسؤولين والمدرسة الالتفاف حول المخالفة الأساسية، والسعي بشتى الطرق لكي ينساها المشتكي، ظل الأخير يجادل بأن لا دخل له بالقدرة الاستيعابية التي أصبحت تفرض عليه حالياً، بل شكواه الأساسية هي فصل ابنه بسبب تأخر دفع الأقساط التي ارتفعت بالأصل دون وجود موافقة.
وبعد عدة تشديدات من قبله أمام المعنيين الذين اشتكى لهم، أعاد من خلالها وأكد وأوضح مشكلته بأن المدرسة خالفة الأنظمة والقوانين ومنه فصلت ابنه بناءً على تلك المخالفات، جاء الرد بالنهاية على شكل “تسكيته”.
وكان الرد بأن “إدارة المدرسة تعهدت بالالتزام بالاقساط.!”، بمعنى آخر أن لم تطال المدرسة أي مخالفة بل على العكس، تم غض النظر عن رفعها لأسعارها على أن تعيد المبالغ الزائدة التي حصلتها من الأهالي في حال جاء رد الوزارة على طلب رفع السعر بالرفض.
وبكل الأحوال فإن الطالب، بحسب ما شرحه والده، “أضاع بسبب فصله حق تعويض الفاقد التعليمي عن العام الدراسي الماضي، مع أننا سددنا كامل المستحقات المالية المتوجبة علينا عن العام الماضي وزيادة، والمدرسة قامت بتعويض الفاقد التعليمي في فصل الصيف مجاناً لطلابها الذين تم تسجيلهم في العام الدراسي المقبل فقط”.
وانهى المشتكي حديثه قائلاً: “حتى الآن ومازال ابني خارج المدرسة، وليس صعباً علي ضمه لمدرسة أخرى، لكن ما حصل معي يكشف عن تجاوزات كبيرة مستفزة تم ممارساتها بحقي دون أي رادع أو رقابة أو معاقبة للمدرسة المخالفة، رغم كافة الشكاوى المقدمة، على حين أني وابني من عوقب فعلياً بسبب وقوفي في وجه الخطأ”.
هل من محاسب ؟ ومدير تربية حلب “اختفى”
خلال تواصل تلفزيون الخبر مع مديرية التربية في حلب لإطلاعها على الشكوى المقدمة، التي تعد واحدة من العديد من الشكاوى التي ترفع بمختلف المحافظات السورية ضد المدارس الخاصة، كان الرد من قبل مدير التربية بطلب “الانتظار حتى المساء ليطلع على كامل الموضوع ومنه التواصل مع تلفزيون الخبر لتقديم إيضاح”.
وكان مدير التربية وبعد وصول شكوى المواطن المحولة من وزارة التربية له، وجه المعنيين لديه للاطلاع عليها وحلها، لكن عدا عن تحويل الموضوع لمشكلة “قدرة استيعابية” كما ذكر سابقاً، لم يتم إقرار أي إجراءات أخرى بما يخص مخالفة المدرسة الأقساط ورفعها دون موافقة.
ولم يرد لتلفزيون الخبر منذ الاتصال الهاتفي الأخير المذكور أي توضيح، علماً أنه تم الاتصال مجدداً في اليوم التالي بمدير التربية لمتابعة الموضوع وأخذ توضيح حول الإجراءات القانونية المتبعة بهكذا حالة بحق المدرسة المخالفة، إلا أنه لم يرد على الاتصالات الهاتفية.
وفا أميري – تلفزيون الخبر