“مونة” السوريات في الغربة .. “معلبات شوق” إلى طقوس البلاد
تفتح “ياسمين” مكالمة الفيديو قاصدة والدتها في دمشق، بينما تباغتها طفلتها “شام” لتسترق النظرات إلى جدتها التي لم تتعرف عليها بعد، فأباها وأمها تزوجا بعد أن سافرا إلى هولندا إبان الحرب في سوريا.
تقول “ياسمين” (٣٥ عاماً) لتلفزيون الخبر: “حتى المكالمات لا تسعفني كثيراً الشوق أكبر، ووضع الاتصالات هناك يحرمني رؤية قسمات وجه أمي، لتعود بحديثها إلى قرابة الأسبوعين حين همّت لصنع حلوى العيد، وسألت والدتها عن الطريقة والمقادير عبر مكالمتها اليومية.
لتؤكد بشدة أنها “لم تكن ترغب سوى برائحة “كعك العيد” التي تعيدها إلى حارتها ومنزل أهلها جنوب دمشق”، تروي ياسمين تجارب عايشتها وأخذت سنوات عمرها للتقدم دون أن تشعر، قائلة: “هنا كل شيء متوفر، مستقبل أبنائي آمن، الرفاهيات تغرقنا، لكن لا شيء يلغي الذاكرة”.
“في بداية زواجي كنت أمام حيرتين أولهما أني لم أكن بعد متمكنة من الطبخ، والثاني أن ما تعودت عليه وزوجها من طبخات تحتاج مواد أساسية كانت تغص بها مطابخ دمشق، بينما تباع في منطقتهم بكميات قليلة جدا ضمن عبوات لا تعلم كيف تم تصنيعها”، تروي الشابة المغتربة محاولات تأقلمها.
وتتابع “بدأت بالتعرف على المواد المتوفرة، حاولت في البداية صنع معجون البندورة في المنزل لكن فشلت محاولتي أمام غياب الشمس في هذه البلاد، فأكثر ما يتطلبه الأمر هو “التشميس” حيث اعتدنا منذ طفولتنا على رؤية أطباق البندورة مرصوفة على الأسطح لتموين المادة التي لا يمكن لأي سيدة الاستغناء عنها في مطبخها”.
أما عن المكدوس، الذي تنتظر السيدات السوريات موسمه لتبدعن في صنعه، تقول ياسمين: “الباذنجان هنا لا يساعد، هناك من يصنعنه بحيث يتمكّن من توفير المواد المناسبة ويقمن بيبيعه للسوريين والعرب هنا”، وتعود لتقول: “نحن نبحث عن الطقوس وعن ما كبرنا عليه.. لا أريد أن أنسى تلك التفاصيل”.
من جهة أخرى، تجد الشابة في المخلل ساحتها، التي يمكنها من خلالها الشعور بشرقية مطبخها، قائلة: “ابحث كثيرا عن “الخيار الصغير” لصنع المخلل، فحتى لو كان طبق الفول الذي يبدع زوجي بصنعه معلباً إلا أنني أحاول أن أحافظ على صنع المخلل بيدي، مكررة .. “أنا أبحث عن الطقوس”.
كما تتحدث “ياسمين”، من ناحية أخرى، عن الوقت الضيق في تلك البلاد، فالعمل ودروس تعلم اللغة وتربية طفلتها وكثير من تفاصيل الحياة هناك، تأخذ أي سيدة من الحالة التي كانت تعيشها الأمهات في سوريا، نحن أمام إثبات وجود يتطلب الوقت الأكبر، هكذا توضح.
وتروي أيضاً أنها “تجد ما تريد من مواد للطبخ وخضار اعتادت عليها في دمشق، لكنها ليست طازجة، تشتاق كثيرا للملوخية الخضراء مثلا، كما تشتاق للفول الطازج، تجدها معلبة ومغلفة، لتأخذ تلك الأغلفة من النكهات التي اعتادت عليها”.
كما تعود بذاكرتها لمذاق المربى، “أشتاق لفصل حباته عن البذرة، كما أشتاق لعبق مربى الفريز حين كانت ينتشر في منزلنا البسيط في دمشق”، تقول: “هنا كل شيء معلب، مذاقه مقبول لكن أشتاق لصنعه بيدي ، أشتاق لألوانه حين كانت تصنعه أمي وأسارع لتذوقه تحت ضوء الشمس”.
وبالانتقال إلى البهارات، ترى ياسمين في صور سوق البزورية على “فيسبوك” محركا لمواجعها ومؤججا لحنينها، حيث تنتظر زيارتها لدمشق لتجلب معها الكثير من التوابل والبهارات والزهورات والقهوة الدمشقية.
تتابع أحكي كثيراً لصديقاتي الجدد من مختلف أصقاع الأرض عن سوريا، أروي لهم أيضا كيف كنا نعيش، وكيف كانت بلادنا، أحكي كثيرا عن مواسم قطاف الزيتون وعن زيته اللامع، تروي الشابة تلك التفاصيل بشوق وتختم بشوق أكبر قائلة لتلفزيون الخبر “فتحتولي جروحي”.
روان السيد – تلفزيون الخبر