أول سينمائيي سوريا “نزيه الشهبندر” .. ماذا تحكي عنه التوثيقات ؟
أخرج وأنتج أول فيلم سوري ناطق.. مخترع سينمائي سوري.. عالِم الصوت والصورة السوري) ما إن يحاول الباحث الاطلاع على بدايات السينما في سوريا من خلال المفردات السابقة على محركات البحث حتى تجيب الأخيرة بنتيجة جلية طارحة في الخيارات الأولى اسم “نزيه الشهبندر” السينمائي السوري الأول.
حيث يبرز اسم الشهبندر الذي أوجد الصنعة السينمائية السورية، وعمل فيها مؤلفاً ومنتجاً ومخرجاً وتقنياً وعارضاً من خلال أول فيلم سوري ناطق، فمن هو نزيه الشهبندر ؟
ولد نزيه الشهبندر في عام 1913 لعائلة دمشقية عريقة كانت تسكن في إحدى حارات دمشق القديمة داخل حي القيمرية،
حيث تأثر خلال هذه الفترة بالكثير من تفاصيل الحياة الدمشقية البسيطة.
وظهر اهتمامه جلياً، حينها، بالمخترعات الكهربائية التي كان حريصاً على التعلم عنها إلى أن وصل لاختراع بطارية تعمل على البوتاسيوم.
تطور اهتمام الشهبندر بالمخترعات الكهربائية ليصير اهتماماً بالمخترعات السينمائية التي استطاع وبمعدات بسيطة من خلالها أن يصل لنتائج هامة ولامعة في عصره.
حيث نجح نزيه الشهبندر في علم وفن السينماتوغرافيا في عام 1936 وتمثل نجاحه بإنتاج أول فيلم سوري صامت، فكان هو المنتج والسيناريست كما كان فيه المخرج والمؤلف والمصور والتقني والعارض.
لم يقف عمل الشهبندر عند هذا الحد فبعد مرور اثني عشر عاماً، وتحديداً في سنة 1948، اشترى داراً سينمائية في حي باب توما ومستودعاً لآلاته التي كان يصنعها هو بنفسه أو يطورها.
إلا أن المكان لم يؤهل لحفظ هذه الأدوات، فضلاً عن أنه لم يلقَ دعماً من الحكومة، حينها، ومما زاد الطين بلة أن نظرة أفراد المجتمع إلى السينماتوغرافيا في الماضي “عيب أو حرام”.
عمل الشهبندر بعد ذلك في مجال الأفلام الدعائية التي كانت آنذاك تعرض في الصالات السينمائية قبل عرض الفيلم بدقائق، وكان يقوم بتحضير أخبار سينمائية عالمية.
كما قام بتسجيل النشيد العربي السوري بالصوت والصورة ليتم عرضه قبل بدء كل فيلم سينمائي في صالة العرض.
سافر الشهبندر إلى مصر وبقي فيها ثلاث سنوات حيث استفاد منه السينمائيون المصريون واحتكروه لصالحهم في العمل.
قدم هناك خلال عمله في المجال السينمائي الكثير من الأفكار التي كانت تشكل حلولاً سريعة وأقل كلفة بالنسبة لصناعة السينما المصرية وشكل حالة من التحدي لخبرات أوربية كانت موجودة هناك.
وفي فترة الانفصال بين الجمهوريتين العربيتين السورية والمصرية، استطاع الشهبندر الحصول على بعض حقوقه واعتباره، فعمل في استوديو الجيش وكانت له مكانته الخاصة في العمل.
في دمشق، لم يعمل الشهبندر في المؤسسات الحكومية، إلا أنه بعد نشوء المؤسسة العامة للسينما بدمشق عيِّن عضواً في لجنتها الفنية فكانت له أهميته الخاصة كما وعيِّن كخبير في مجال التقنيات والمعدات السينمائية.
كما أشرف الشهبندر بنفسه على تركيب وصيانة وتحديث معظم صالات العرض السينمائية في مدينة دمشق كلها، بدءاً من صالات السينما التي ذهبت طي التاريخ مثل (سينما فريال وسينما النصر والرشيد الصيفي) إلى صالات السينما التي ما زالت جدرانها قائمة ونعرفها اليوم.
تأثر الكثير من المبدعين السينمائيين في سوريا بالشهبندر فصنعت عنه عدة أفلام كان منها فيلم أنتجه التلفزيون السوري، كذلك قدم مشاهير في السينما السورية فيلماً عنه بعنوان (نور وظلال) بإنتاج خاص، عمل فيه سينمائيون سوريون كثر منهم محمد ملص وعمر أميرالاي وأسامة محمد و حنا ورد وآخرين.
عمل مع الشهبندر كثير من الشباب فاكتسبوا منه بعضاً من خبراته، حيث كان من بين تلامذته الذين أخذوا منه العلم والخبرة السينمائية السينمائي المعروف محمد الرواس وكذلك العديد من الأسماء التي غدت قامات في المجال السينمائي السوري.
وتجدر الإشارة إلى أن معظم آلات نزيه الشهبندر التي كان يستخدمها خلال عمله ذاتية المنشأ حتى عدسات التصوير ليغدو بذلك عالماً بالتقنيات السينمائية وعالماً بالصورة والصوت.
وبالرغم من الظروف الصعبة التي مر بها الشهبندر، وعمله الصعب، ووحدته، استطاع أن يقدم لنا الخطوة الأولى إلى صناعة سينمائية من خلال فيلمه السينمائي الطويل “نور وظلام” وهو الفيلم الناطق الأول والأخير الذي أنتجه وأخرجه.
وتحكي قصة الفيلم عن عالم أتى من كوكب آخر بمركبته الفضائية، ليتعلم الأخلاق من سكان كوكب الأرض، لكنه بعد فترة من المكوث يعاود الرحيل، بعد معرفته بحجم الشر الذي يكنه الإنسان لأخيه الإنسان.
توقف الشهبندر بعد ذلك ولم يعد ينتج أي فيلم روائي بل اختص بالأفلام الإعلانية التي عمل عليها فترة طويلة من حياته قبل اعتزاله.
كرمت نقابة الفنانين نزيه الشهبندر وكرمته وزارة الثقافة أيضاً، كما كرم قبل وفاته بأربع أشهر في باريس.
روان السيد _ تلفزيون الخبر