السوريون في الخارج .. كيف تصبح أوروبياً بخمسة أيام
ينقسم السوريون الذي قدموا إلى أوروبا، في موجة النزوح الأخيرة، بشكل عام، إلى قسمين، قسم يرغب بنسيان حياته السابقة في سوريا بشكل كلي، والقسم الآخر يرغب بعدم نسيان أي تفصيل صغير منها.
قسم تحول إلى أوروبي بالكامل بحيث تثير في نفسه كلمات مثل: وطن، عودة، حنين، فيروز، ياسمين، ليمون، شعوراً أشبه بابتلاع الضفادع الحية، وقسم آخر يبحث عن منقوشة الزعتر ويرفض استخدام إلا زيت الزيتون الإدلبي أو العفريني، ويطارد خروف العيد نصف المذبوح في شوارع المدن الأوروبية.
وللحالتين تفسير في علم النفس، بسيط يتعلّق بالثقة بالنفس ومعقّد يتعلق بالشعور بالانتماء والهوية، وفي كلتا الحالتين يضيع اللاجئ بين ما يرغب به وبين ما يجدر به القيام به لإثبات انتمائه، على الأقل، للحضارة البشرية.
بين إثبات أنه جزء أيضاً من العالم، لديه حياة سابقة ليست سيئة لولا الحرب، وأنه ليس قادماً من “وراء البقر” أو “الجمال” كما الفكرة النمطية، وبين من يخشى على جزء من هوية لم يمتلكها أصلاً في حياته السابقة.
فكيف يعرّفها الآن، وهو يرى النساء يأخذن قرارتهن باستقلال ويصنعن حياتهن بهدوء بمعزل عن وجود الرجل، عمود البيت ورب الأسرة.
الحقيقة، إن معضلة اللجوء صعبة، وتصعب أكثر عند الذين لا يعلمون أصلاً من هم: هل نحن مسلمون؟ معتدلون أم متطرفون؟ هل نحن أوربيون جددـ سوريون سابقون، أم بين هذا وذاك؟
الوقت كفيل بحل هذه المعضلة، لكن ثمة من يرغب بسلخ جلده فوراً، بخلع حياته السابقة كأنها لم تكن، أو كأنها كانت ذكريات سيئة فحسب وجب التخلص منها ما أمكن.
تحدثني صديقة تعمل في الترجمة لعائلات من اللاجئين في السويد، أن بعض العائلات ومنذ الشهر الأول بدأوا باكتساب العادات الأكثر سخفاً للسويديين، طريقة التحدث عبر استخدام كلمات وصل معينة يستخدمها السويديون غالباً، كأنهم من مواليد ماليبو أو ستوكهولم، أو عبر تقليد بعض الظواهر البسيطة للتأكيد على اندماجهن بالمجتمع الجديد.
بالتأكيد لدى الجميع الحق باتخاذ القناع الذي يرغبون به لتسهيل حياتهم، للاندماج ضمن قوانين العالم الجديد الذي يرغبون بالانتماء إليه أو للخلاص من عبء الحنين إلى بلاد مدمرة وحياة كانت قاسية للغاية، لكن لا أحد منهم يستطيع الخلاص من سوريته
سوريا تماثل السرّة التي يملكها كل واحد منا، وإخفاؤها أو تغطيتها ببرقع أو حتى برقعة ملونة لن تجعل منك أوروبياً بين ليلة وأخرى، تذكروا فقط الغراب الذي حاول أن يقلّد مشية الطاووس وستفهمون ما أقصد.
الأوروبي لن يحترمك إذا أصبحت مثله، في سخافاته وعنصريته، سيحترمك إذا كنت أنت أنت، تحمل ثقافة جديدة تتفق مع قوانين التحضّر ولا تناقضها وأيضاً لا تتطابق معها بشكل كلي.
بالطبع لا أدعو إلى إقامة الصلوات في الشوارع العامة، تقديم الأضاحي في الشوارع أو رفع الآذان في الجوامع، هذا تصرّف لا حضاري يجب التخلص منه في بلادنا أيضاً، لكن لا يجب الخلاص من الكثير من الأشياء الجميلة التي زرعتها فينا بلادنا: موسيقانا ورقصنا، تكافلنا وأعيادنا، قصصنا وفلكلورنا، لا أن نطوّعه كما يرغب الغربي ليرانا ضحايا وفقراء، يجب أيضاً أن نساهم في الحضارة وإثرائها بقدر ما نستطيع.
أتذكر قصة حدثت مع إحدى قريباتي التي تزوجت بلجيكياً، وبعد ستة أشهر عادت إلى سوريا في عطلة رأس السنة، وعندما بدأ إطلاق النار، حسب عاداتنا “الفلكلورية” في اللاذقية، بدأت بالتأفف وبأن “بعمرنا ما منصير بشر”.
وقد نسيت تماماً أنها، نفسها، منذ سنة بالضبط، كانت تحمل مسدس والدها الضابط، وتقوم بإطلاق النار على السطح ابتهاجاً، لقد تحولت في ستة أشهر إلى بلجيكية كاملة، وهذا أكثر من انسلاخ، هذا غسيل دماغ كامل.
محمد أبو روز – تلفزيون الخبر