تضحية إبراهيم بابنه.. درس في الطاعة والخلاص ودرء العنف
تجتمع الأديان التوحيدية “اليهودية والمسيحية والإسلامية” بقصة تضحية إبراهيم بابنه “اسحق/ إسماعيل”، فهو لم يتأخر في تقديم فلذة كبده فداءً وبرهاناً على حبه لإلهه السماوي.
هذه التضحية ستشكل أساساً عقائدياً وانتقالاً من التضحية البشرية التي تجسدت في قتل قابيل لأخيه هابيل، إلى نظيرها الحيواني بغية كبح جماح العنف كما يراها الباحث “روني جيرار”.
وبحسب الرواية اليهودية يحل عيد رأس السنة العبرية “روش هشانا” بعد انتهاء شهر أيلول العبري وهو ذكرى ما يعتقدونه بأضحية اسحق فى رأس السنة العبرية، كما أنه يمثل اليوم الذي بشر الملائكة فيه “سارة” بولادة اسحق.
اعتمدت الميثولوجيا اليهودية على مبدأ التكفير عن الخطايا والذنوب، وعلى طلب العون من الرب، فلم يختلف مضمون الذبيحة عندها عن مضمون الأضحية والقرابين لدى الأديان الوثنية والبدائية.
إذ نجد إراقة دماء الأضاحي في قصة إبنيّ آدم قابيل وهابيل، وقصة نوح، نجد الحيوانات موضوعاً للتضحية، كما نقرأ عن “التضحية البشرية” أيضاً، في قصّة أمر الرب لإبراهيم بالتضحية بإبنه اسحق.
يقول “سفر التكوين”: “خُذِ ابْنَكَ وَحِيدَكَ، الَّذِى تُحِبُّهُ، اسحق، وَاذْهَبْ إِلَى أَرْضِ الْمُرِيَّا، وَأَصْعِدْهُ هُنَاكَ مُحْرَقَةً عَلَى أَحَدِ الْجِبَالِ الَّذِى أَقُولُ لَكَ”.
وحسب المعتقد اليهودي أيضاً، يعتبر النفخ فى قرن الخروف “الشوفار” رمزاً لكبش الفداء الذى مَنَّ به الله على النبى إبراهيم عندما امتثل لأمره وهمّ بذبح ابنه اسحق، وذلك فى رأس السنة العبرية.
ومن شعائر اليهود تقديم القرابين “الأضاحي” عند هيكل سليمان المزعوم، ومن تقاليد عيد “روش هشانا” تناول شرائح التفاح المغموس بالعسل، رمزاً لأمل أن تكون السنة الجديدة حلوة.
أما التقليد الثاني فهو التوجه إلى مصدر كالبحر أو أحد الأنهار أو الينابيع، وتلاوة بعض الآيات وإلقاء قطع من الخبز في الماء، رمزا لـ”إلقاء” جميع ما ارتكبه الإنسان من خطايا خلال العام المنصرم.
وتعرف فترة العشرة أيام التي تمتد بين الأول والعاشر من شهر تشرين العبري والتي تتضمن عيدي روش هشاناه (رأس السنة) و”يوم كيبور” (يوم الغفران) بـ”أيام التوبة العشرة”.
وتقول التقاليد اليهودية إنها فترة صدور الحكم الإلهي، حيث يحاسب جميع البشر والأمم على أفعالهم خلال السنة المنتهية للتو، ويتم البت في مصائرهم للعام الجديد.
وتتفق الرواية المسيحية مع مثيلتها اليهودية، من ناحية نسب الذبيح إلى نبي الله “اسحق”، لكن بعدما افتدى “المسيح” خطايا جميع البشر عبر صلبه في “الجمعة العظيمة”، مخلصاً البشرية من خطية آدم وحواء الأولى.
فإنه لم يعد ثمة إيمان بالأضحية إلا فى حالات “النذور”، وهو ما يمثل خلاصاً من ضيقة أو من عدو أو من أزمة مالية، أو صحية،…
وفكرة الذبيحة في الميثولوجيا المسيحية تجسَّدت في المسيحِ المصلوب، فالتكفير عن الذنوب والخطايا والتقرّب من الرب وطلب الغُفران، لا يتأتّى من خلالِ تقديمِ أضحيةٍ حيوانية، وإنما هي مُجَسَّدة في يسوع الذي يَفْتَدي أتباعه بدمه، ويتحمَّل عنهم خطاياهم.
المسيح هو الخلاص النهائي عند المسيحيين، استناداً لقول يسوع في إنجيل يوحنا: “أنَا هُوَ الْقِيَامَةُ وَالْحَيَاةُ، مَنْ آمَنَ بِى وَلَوْ مَاتَ فَسَيَحْيَا”.
كما ثمة إشارة في فى رسالة “بولس الرسول” إلى “أفسس” إلى موضوع الأضحية إذ كتب: “اَللهُ الَّذِى هُوَ غَنِي فِي الرَّحْمَةِ، مِنْ أَجْلِ مَحَبَّتِهِ الْكَثِيرَةِ الَّتِى أَحَبَّنَا بِهَا، وَنَحْنُ أَمْوَاتٌ بِالْخَطَايَا أَحْيَانَا مَعَ الْمَسِيحِ بِالنِّعْمَةِ أَنْتُمْ مُخَلَّصُون وَأَقَامَنَا مَعَهُ، وَأَجْلَسَنَا مَعَهُ فِى السَّمَاوِيَّاتِ فِى الْمَسِيحِ يَسُوعَ”.
ومن المعتقدات المسيحية أيضاً أن اعتراف البشر بخطايهم وعدم استحقاقهم لنوال نعمته وإحسانه، أفضل من الذبيحة ولحم الكباش، وذلك استناداً لقول النبى داود فى مزموره الشهير “لأنك لا تُسَرُّ بذبيحة وإلا فكنت أقدمها، بمحرقة لا ترضى، ذبائح الله هى روح منكسرة” وهو ما يعني أن يتقدم الإنسان بقلب راضٍ ليشعروا برضى الرب.
أما الرواية الإسلامية فتختلف مع نظرياتها اليهودية والمسيحية، إذ يحتفل المسلمون بعيد الأضحى الموافق يوم 10 ذو الحجة بعد انتهاء وقفة يوم عرفة، الموقف الذى يقف فيه الحجاج المسلمين لتأدية أهم مناسك الركن الأعظم فى الإسلام وهو الحج.
ويعتبر هذا العيد بحسب المعتقد الإسلامي ذكرى واقعة إبراهيم عندما أراد التضحية بابنه “إسماعيل” تلبية لأمر الله، ويأتي ذلك استناداً لسورة الصافات:
فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْي قَالَ يَا بُني إِنِّي أَرَى فِى الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ(102)… وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِى الْآخِرِينَ (108) سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ(109) كَذَلِكَ نَجْزِى الْمُحْسِنِينَ(110)”
ومن مظاهر المسلمين فى هذا اليوم، التضحية بأحد الأنعام (خروف، أو بقرة، أو إبل) وتوزيع لحم الأضحية على الأقارب والفقراء، وهو ما يتشابه مع الطقس اليهودي وذلك بعد الانتهاء من صلاة العيد والتى تكون بعد فجر اليوم الأول من 10 ذو الحجة تطبيقاً للآية القرآنية من سورة الكوثر: “إنا أعطيناك الكوثر، فصلّ لربك وانحر”.
وللأيام العشر الأوائل من ذو الحجة، احتفالات خاصة عند المسلمين، حتى أنهم يقومون بالصيام فى الأيام التسع الأولى، استناداً لحديث النبى محمد “ما من أيام أحب إلى الله أن يتعبد له فيها من عشر ذي الحجة، يعدل صيام كل يوم منها بصيام سنة”.
وتجتمع الديانات التوحيدية في أن إراقة الدم الحيواني يرمز لعنصر الحياة وللاستمرارية، وأن الأضحية هي مرافقة لمفهوم الخلاص من الخطيئة وإزالة الحقد تجاه الآخر ومداورة العنف من شكله البشري إلى الحيواني.
تلفزيون الخبر