كيف كسر مسلسل “يوماً ما” الحجر الصحي؟
إذا أردت أن تعرف ماذا يجمع “ماريا” ابنة الساحل بـ”كاساندرا” المكسيكية، وكيف بإمكانك أن تجمع في عمل درامي واحد الحبكة الهندية، مع الرقص الإسباني، والشكل اللاتيني، ما عليك سوى مشاهدة مسلسل “يوماً ما” تأليف “فهد مرعي ورافي عزيز وبانة فقس”، وإخراج “عمار تميم” وإنتاج شركة شاميانا.
القصة تبدأ بضياع الطفلة “ماريا” نتيجة مشكلة اجتماعية خاصة بعائلتها التي تعيش في اللاذقية، فتتلقفها بصَّارة تقرأ الكفّ، لتتربى بين الغجر على الرقص والإغواء والتبصير، وتجمعها علاقة حب مع شاب غجري، ثم تبدأ رحلة بحثها عن والدها وأمها.
التشابه واضح وكبير مع قصة “كاساندرا” المكسيكية، لكن في “يوماً ما” تتلخبط الأمور إلى درجة غير مقبولة، فالأزياء مكسيكية، والمضمون هندي، والرؤية البصرية صومالية، واللهجة بدوية، لدرجة تحار معها في تصنيف هذا العمل، وهل بالإمكان إدراجه ضمن المسلسلات السورية أساساً؟
كما أن المصادفات “الخزعبلاتية” في رحلة بحث “ماريا” عن والديها تشي بأن الكتاب الثلاثك لم يعذِّبوا أنفسهم نهائياً في التفكير بحبكة لائقة بمسلسلهم “البدوي” “البوليسي” “الغرامي” “الاجتماعي”، ولن ننسى “الهادف” بكل تأكيد، وربما صعوبة التصنيف وقفت عائقاً في وجه خيالهم الإبداعي.
وحتى الحلقة العاشرة منه بإمكاننا من دون عذاب ضمير أن نُضيف صفة “التراجيدي” إلى المسلسل ككل، لاسيما مع وفاة الشيخ الغجري بطريقة مأساوية، بعدما دفعه ابنه دفاعاً عن حب حياته “ماريا”، والموسيقى الحزينة طيلة العمل، وكأننا ضمن “ميلودراما” لا تنتهي أبداً.
الإخراج حمل توقيع “عمار تميم”، مختاراً لشخصية “كاساندرا” السورية الممثلة “جيني إسبر” بجاذبيتها اللافتة وجمالها الفتّان، أما “اغناسيو” و”لويس دافيد” فكان من نصيب الممثل الشاب “جوان خضر”، في حين أن البصارة “نوف” جسدتها “أمانة والي” وزوجها “جهاد الزعبي”.
أما أم ماريا ووالدها فهما “زهير رمضان” و”عبير شمس الدين”، من دون أن نعرف لماذا شعر الشاب الغجري منكوش باستمرار وأزياؤه كأنها من البالة، بينما والده أشبه بشيخ في خيمة بدو، وكيف لنا أن نصدق أن “شمس الدين” ستكون والدة “جيني”؟
ولا نعلم كيف استوى هذا الترتيب “الفنتازي” “الما ورائي” في توزيع الأدوار، ولا كيف تمت المواءمة بين الساحل السوري مع رقصات إسبانية وإغواءات هوليوودية بالمعنى الساذج للكلمة، فذلك خارج قدرتنا على الاستيعاب.
يضاف إلى ذلك أن الصورة التي حققها “تميم” تعود ببساطة إلى ثمانينيات القرن المنصرم، إذ ضرب بعرض الحائط كل مقولات “السينما في بيتك” والتشابهات في الصنعة التلفزيونية مع نظيرتها في الفن السابع باعتراف جميع الدراميين المعاصرين على صعيد الوطن العربي والعالم.
ونتيجة عدم التزام السوريين بالحجر الصحي في بداياته منتصف آذار الماضي، أطلق البعض نداءً مفادُه أنه حتى يتحقق ذلك، ينبغي إعادة عرض مسلسل “كاساندرا” المكسيكي، كونه العمل الدرامي الوحيد الذي جعل الشوارع السورية في حالة أشبه بحظر التجوال في تسعينيات القرن الماضي.
ويبدو أن شركة “شاميانا” للإنتاج الفني وضعت ذلك في خطتها بأن تصنع “كاساندرانا” الخاصة بنا، فاستعانت بـ”فهد مرعي” كاتباً، و”عمار تميم” مخرجاً، لكن بعد المخلوطة الدرامية التي تزداد اختلاطاً حلقة بعد حلقة، نحن على ثقة تامة بأن الناس لن يلتزموا بيوتهم بسبب “كاساندرا” السورية الضائعة في هويتها، بل سيكسرون حجرهم الصحي حجراً بعد حجر.
بديع صنيج- تلفزيون الخبر