في زمن الشائعات التي لا تنتهي.. علم النفس يعتبر ناشر الشائعة مشوّه نفسياً
ستحتلّ الشائعات مكانة متقدمة، بدون شك، في حال أردنا تصنيف “الأسلحة” و”الأدوات” النفسية، التي استخدمها البشر دائماً لتحقيق غايات فردية أو جماعية، سياسية أو اقتصادية أو عسكرية أو فنية.
أو مهما كانت مما يمس حياة الناس في النهاية، غير أن علماء النفس يؤكدون اليوم أن ناشري الشائعات خاصة عبر مواقع التواصل الاجتماعي هم من الأشخاص المشوهين نفسياً.
وتتعدد الدوافع الكامنة وراء نشر الإشاعات، فمنها ما ينشر للتباهي منها التباهي، والتي تجد لها في مواقع التواصل الاجتماعي بيئة خصبة حيث يبتغي ناشر الإشاعة جمع أكبر عدد ممكن من الاعجابات أو التعليقات، وإثارة الانتباه.
أو يقوم شخص بنشر شائعة ضد شخص آخر بقصد إيذاءه، أو الإساءة لسمعته لأٍسباب شخصية أو سياسية، أو على العكس، لتقديم مجاملة، أو ترويج صفات مميزة لشخص، قد لا تكون موجودة فيه.
كما يمكن إطلاق الشائعات بهدف رفع الروح المعنوية في أوقات الضغوط والكوارث والحروب، أو استعمال الإسقاط النفسي، حين يشعر الشخص بالخوف من حدث معين يحاول من خلال تناقل الشائعة بخصوص نفس الموضوع السيطرة على مخاوفه.
ومع أن شبكات الانترنت ومواقع التواصل الاجتماعي تشكل مجالاً غير محدود وعالي التأثير لنشر الشائعات، فهي تشكل في الوقت ذاته عاملاً مهماً يمكن الناس من التأكد وبسرعة من صحة ما ينشر أو كذبه، لو أرادوا.
ويمكن القول أنه خلال الـ 10 سنوات الأخيرة، نُشر من الشائعات ما لا يمكن إحصاؤه، بمختلف المجالات وعبر كل الوسائل، وحظيت سوريا بنصيب واسع، بحكم ظروف الحرب وغياب المصادر الدقيقة في كثير من الأحيان، سواء تلك المتعلقة بزيادة الأسعار أو أخبار تسريح الدورات العسكرية وغيرها، وليست أخبار فيروس “كورونا” آخرها بالتأكيد.
وبقي النوع الأخطر من الشائعات وهو ما يصدر عن جهات قريبة من الجمهور المتلقي، حيث تحظى بثقته، أو تتوافق مع آماله، وهي ورغم “حسن نيتها” في بعض الأحيان، تشكل عاملاً أكثر خطورة وتأثيراً من نشرها من مواقع غير صديقة، والتي يميل الناس إلى تكذيبها بداية.
وتعتمد الشائعات وقوة تأثيرها، على عنصرين أساسيين هما: غياب المعرفة أو الحقيقة المتعلقة بموضوعها، وغياب أو قلة وعي المتلقي، ومدى قابليته لتصديق كل ما يقال له دون التأكد من مصدر موثوق.
وأظهرت دراسة قامت بها جامعة “ستانفورد” الأمريكية، وشملت طلاب المدارس المتوسطة، عرض عليها أخباراً وقصصاً مختلقة بشكل كلي، أن 80 بالمئة من العينة، لم يستطيعوا إدراك الفرق بين المحتوى الممول والأخبار الحقيقية، وأن ذات النسبة ليست لديها مشكلة في استقاء الأخبار من مصادر مجهولة”.
ورغم أن الدراسة قامت باختلاق أخبار غير منطقية، ونسبوا هذه الأخبار إلى مصادر مجهولة وغير موثوقة، فإن الطلبة لم يبذلوا أي جهد يذكر للتأكد من هذه الأخبار حقيقية، وقاموا بنشرها بسرعة لا تصدق.
وأكدت نتائج الدراسة أن ملكة الوعي، والتمييز بين الغث والسمين، والقدرة على معرفة الخبر الحقيقي من الخبر المصنوع، هي صفة لا تمتلكها أغلبية المتابعين، التي تقوم بنشر المعلومة بسرعة مخيفة، في زمن أصبحت فيه السرعة تسيطر على كل شيء.
ورغم أنه يميل الكثيرون إلى تحميل مواقع التواصل الاجتماعي مسؤولية انتشار مثل هذه الشائعات، واتهامها بأنها ساهمت بشكل كبير في نشر الأخبار المزيفة.
لكن الدراسة تؤكد أنه حتى مع جهود هذه المواقع، في مكافحة الشائعات، ووضع علامات لتوثيق الحسابات الصحيحة من المزيفة، فإن الجمهور كان يتجاهل مثل هذه العلامات، ويبحث دائماً عن الأخبار المزيفة التي تتمتع بإثارة لا تمتلكها الأخبار الحقيقية.
وعن غياب الوعي الكافي لتمييز الأخبار الصحيحة من الشائعات، تظهر الدراسة أن عقل الإنسان يكون مغيباً عندما يكون هذا العقل مخدراً ومبرمجاً على تصديق أي شيء ممكن أن تقول له، بغض النظر عن ماهيته و منطقيته.
فعندما يصل الإنسان مرحلة “العقل المخدر”، فإنه يكون قابلاً لتصديق كل ما يقال له، وتطبيق أي فعل يطلب منه، ذلك أن أدوات التفكير السليم لديه تم تعطيلها، فهو حتى عندما يفكر، فإن عقله يعمل بالطريقة التي تم برمجته عليها، لذلك يعتقد أنه يفكر، بينما هو في الواقع يطبق ما برمج للتفكير فيه.
“ويعتبر “تخدير العقول”، فن تمارسه الجماعات (أحزاب وأديان وغيرها)، على أنصارها منذ عقود طويلة، وليس من المستغرب أن تجد انساناً يحمل شهادات عليا ويؤمن بخرافات غير منطقية، وهم يعتقدون أنهم يقومون بما تملي عليهم إرادتهم، بينما في الواقع، فإن إرادتهم مسلوبة.
رنا سليمان – تلفزيون الخبر