“سنرجع يوماً إلى حينا” .. الفلسطينيون يحيون يوم الأرض إلكترونياً في زمن “الكورونا”
عبر حقيقة واحدة خالدة ومنذ عقود طوال على احتلال فلسطين لايزال أصحاب الأرض، من نهرها إلى بحرها من غزة للضفة مروراً بالداخل ووصولاً للشتات، ورغم الاحتلال والحصار والهدم والتهجير، متمسكين بأرضهم وينقلون الواقع لأبنائهم وحلم العودة الذي يرونه قريباً بينما يراه العدو بعيداً.
حيث يأتي يوم الأرض لعام 2020، بينما يضاف وباء جديد إلى الوباء الأساس، الاحتلال “الإسرائيلي”، لتتحول الفعاليات والمهرجانات لهذه الذكرى إلى فعاليات رقمية إلكترونية، إذ لا يمكن للفلسطينين إغفال هذا اليوم وطيه بعيداً عن خواطرهم.. فماذا عنه؟
في يوم 30 من آذار، ومنذ 44 عاماً هبت الجماهير العربية داخل أراضي 1948 الفلسطينية، معلنة صرخة احتجاجية ضد الاستيلاء على الأراضي والاقتلاع والتهويد التي انتهجتها “إسرائيل”، وتمخض عن هذه الهبّة ذكرى تاريخية في الثلاثين من آذار سميت بـ”يوم الأرض”.
وتعود أحداث هذا اليوم، لعام 1976، بعد استيلاء الاحتلال “الإسرائيلي” على آلاف الدونمات من أراضي الفلسطينيين داخل أراضي عام 48، حيث عمّ حينها إضراب عام ومسيرات من الجليل إلى النقب واندلعت مواجهات أسفرت عن استشهاد ستة فلسطينيين وإصابة واعتقال المئات.
وكانت الشرارة التي أشعلت الجماهير العربية ليوم الأرض، بإقدام العدو “الإسرائيلي” على الاستيلاء على نحو21 ألف دونم من أراضي عدد من القرى العربية في الجليل، ومنها عرابة، سخنين، دير حنا، وعرب السواعد، وغيرها في العام 1976.
وكان ذلك الاستيلاء لتخصيص الأراضي لإقامة المزيد من المستوطنات، في نطاق خطة تهويد الجليل، وتفريغه من سكانه العرب، وهو ما أدى إلى إعلان الفلسطينيين في الداخل، وخصوصاً المتضررين المباشرين، عن الإضراب العام في يوم الثلاثين من آذار.
وفي هذا اليوم أضربت مدن وقرى الجليل والمثلث إضراباً عاماً، وحاول الاحتلال “الإسرائيلي” كسر الإضراب بالقوة، فأدى ذلك إلى صدام بين المواطنين، والقوات “الإسرائيلية”، كان أعنفها في قرى سخنين، وعرابة، ودير حنا.
وتفيد معطيات لجنة المتابعة العليا – الهيئة القيادية العليا لفلسطينيي 48- بأن “إسرائيل” استولت على نحو مليون ونصف المليون دونم منذ احتلالها لفلسطين حتى العام 1976، ولم يبق بحوزتهم سوى نحو نصف مليون دونم، عدا ملايين الدونمات من أملاك اللاجئين وأراضي المشاع العامة.
وبذلت “إسرائيل” جهوداً لمنع انطلاق فعاليات نضالية، لكن رؤساء المجالس البلدية العربية أعلنوا الإضراب العام في اجتماع يوم 25 آذار 1976 في مدينة شفا عمرو.
وجاء قرار “لجنة الدفاع عن الأراضي العربية”، التي انبثقت عن لجان محلية في إطار اجتماع عام أجري في مدينة الناصرة في 18 تشرين الأول 1975، إعلان الإضراب الشامل، رداً مباشراً على الاستيلاء على أراضي المل، ومنع السكان العرب من دخول المنطقة، في تاريخ 13-2-1976.
وأشار باحثون، بحسب وسائل إعلام فلسطينية، إلى أن “الاستيلاء على الأراضي بهدف التهويد بلغت ذروته مطلع 1976 بذرائع مختلفة، تجد لها مسوغات في “القانون”، و”خدمة الصالح العام”، أو في تفعيل ما يعرف بـ”قوانين الطوارئ” الانتدابية”.
وكانت أرض “المل” التي تبلغ مساحتها 60 ألف دونم، تستخدم في السنوات 1942-1944 كمنطقة تدريبات عسكرية للجيش البريطاني أثناء الحرب العالمية الثانية، مقابل دفع بدل استئجار لأصحاب الأرض.
وبعد عام 1948 أبقت “إسرائيل” على نفس الوضع الذي كان سائداً في ذلك العهد، إذ كان يسمح للمواطنين بالوصول إلى أراضيهم لفلاحتها بتصاريح خاصة، وفي عام 1956 قامت السلطات “الإسرائيلية” بإغلاق المنطقة، بهدف إقامة مخططات بناء مستوطنات يهودية، ضمن مشروع “تهويد الجليل”.
كما كان صدور وثيقة (كيننغ) في 1976/3/1 من قبل متصرف لواء الشمال في وزارة داخلية الاحتلال “الإسرائيلي” (يسرائيل كيننغ) وثيقة سرية، سمّيت فيما بعد باسمه، والتي تستهدف إفراغ الجليل من أهله الفلسطينيين، والاستيلاء على أراضيهم، وتهويدها، واحدة من مسببات الاتجاه نحو الإضراب.
ودعت وثيقة “كيننغ” في طياتها إلى تقليل نسبة الفلسطينيين في منطقتي الجليل، والنقب، وذلك بالاستيلاء على ما تبقى لديهم من أراض زراعية، وبمحاصرتهم اقتصادياً، واجتماعياً، وبتوجيه المهاجرين اليهود الجدد للاستيطان في منطقتي الجليل والنقب.
وركزت على تكثيف الاستيطان اليهودي شمال الجليل، وإقامة حزب عربي يعتبر “أخاً” “لحزب العمل”، ويركز على المساواة والسلام، ورفع التنسيق بين الجهات الحكومية في معالجة الأمور العربية، وإيجاد إجماع قومي يهودي داخل الأحزاب الصهيونية، حول موضوع العرب في “إسرائيل”.
وشددت الوثيقة على ضرورة التضييق الاقتصادي على العائلات العربية، عبر ملاحقتها بالضرائب، وإعطاء الأولوية لليهود في فرص العمل، وكذلك تخفيض نسبة العرب في التحصيل العلمي، وتشجيع التوجهات المهنية لدى التلاميذ، وتسهيل هجرة الشباب، والطلاب العرب إلى خارج البلاد ومنع عودتهم إليها.
وكان الرد “الإسرائيلي” عسكرياً شديداً على هبة “يوم الأرض”، باعتبارها أول تحدٍ، ولأول مرة بعد احتلال الأرض الفلسطينية عام 1948، حيث دخلت قوات معززة من جيش العدو “الإسرائيلي” مدعومة بالدبابات، والمجنزرات.
وأعاد الاحتلال “الاسرائيلي” احتلال القرى الفلسطينية، وأوقع شهداء، وجرحى بين صفوف المدنيين العزل، فكانت حصيلة الصدامات استشهاد ستة أشخاص، أربعة منهم قتلوا برصاص الجيش، واثنان برصاص الشرطة.
وسعت “إسرائيل” إلى إفشال الإضراب لما يحمل من دلالات تتعلق بسلوك الأقلية العربية كأقلية قومية حيال قضية وطنية ومدنية من الدرجة الأولى، ألا وهي قضية الأرض.
ولم تكتفٍ السلطات “الإسرائيلية” بالاستيلاء على أراضي الفلسطينيين الذين أُبعدوا عن أرضهم، بل عملت تباعاً على الاستيلاء على ما تبقى من الأرض، التي بقيت بحوزة من ظلوا في أرضهم.
واستولت “إسرائيل” خلال الأعوام 1948 ، 1972 على أكثر من مليون دونم، من أراضي القرى العربية في الجليل، والمثلث، إضافة إلى ملايين الدونمات الأخرى من الأراضي التي استولت عليها بعد سلسلة المجازر المروّعة، وعمليات الإبعاد القسّري، التي مورست بحق الفلسطينيين عام 48.
ويعتبر يوم الأرض نقطة تحول بالعلاقة بين العدو “الإسرائيلي”، والعرب بالداخل، ومنذ العام 1976 أصبح يوم الأرض يوماً وطنياً في حياة الشعب الفلسطيني، داخل فلسطين، وخارجها.
بينما يأتي يوم الأرض هذا العام (2020) بعد شهرين من إعلان بنود ما تسمى “صفقة القرن” الرامية لتصفية القضية الفلسطينية على حساب حقوق الشعب الفلسطيني، وزعمها أن “مخططها المؤلف من 80 صفحة هو الأشمل حتى الآن للتسوية”، لترد المدن والبلدات في مختلف أنحاء الأراضي الفلسطينية المحتلة بغضبٍ شعبيٍ وإضرابٍ شامل.
وفي المُضي بمستجدات 2020، يأتي “الوباء” الألعن “كورونا” في الوقت الذي يقيم فيه الفلسطينيون الفعاليات والمسيرات بكافة أشكالها لاستذكار يوم الأرض، لتقرر لجنة المتابعة العليا لفلسطينيي 48، استثناءً، بالتنسيق مع المؤسسات والمنظمات الفلسطينية في الوطن والشتات تحويل نشاطات إحياء ذكرى يوم الأرض، إلى سلسلة نشاطات رقمية ومنزلية.
وذلك بسبب الظروف الصحية الخطيرة القاهرة الناشئة في أعقاب انتشار فيروس كورونا المستجد، حيث سيكون في مركز هذه النشاطات مظاهرة إلكترونية في الساعة الخامسة من بعد الظهر، حسب توقيت القدس، وإلى جانبها نشاطات منزلية أخرى.
وتتخلل المظاهرة الإلكترونية إطلاق نشيدي “سنرجع يوماً إلى حينا” و”موطني”، والتواجد على أسطح المنازل والنوافذ، والقيام بنشاط عائلي، مع إمكانية بث حي على الشبكات الاجتماعية.
وكذلك وضع بروفايل مشترك في صفحات “فيسبوك”، يظهر فيه العلم الفلسطيني، ورفع أعلام فلسطين على نوافذ أو أسطح البيوت في اليوم نفسه، وإضاءة شمعة رقمية لذكرى أرواح شهداء يوم الأرض، وكل شهداء الشعب الفلسطيني.
روان السيد – تلفزيون الخبر