أفلام الكوارث والأمراض.. مقاربات الحب والسلوك البشري في أزمانها
في الحياة لا تنفصل أوقات الحروب والكوارث عن جانبها الإنساني المتمثل بقصص حب، التي تعيش في إطار كارثة حلت وولت، ثم عادت لتحيا حكاية في فيلم، نعتقده خيالاً، والحقيقة أننا كنا يوماً أبطاله.
في استعادة لبعض هذه الأفلام التي قاربت الحب في زمن الكوارث، نشرت جريدة “الأخبار” لمحة عن تلك القصص التي أمتعتنا، حين كنا نتخيل تفاصيلها تخص أناساً آخرين، من زمن ولى ومضى، فكان منها : فيلم “الإحساس الكامل” (Perfect Sense)، الذي عرض عام 2011.
ويعرض الفيلم سيناريو مختلفاً لنهاية العالم، تبدأ من دواخل الناس وتظهر آثارها على العالم الخارجي، يفقد الناس حواسهم تدريجاً.
يبدأ الأمر بأزمات عاطفية، وحزن المرء على أخطائه، وغضب من قصور الآخرين وصولاً إلى فقدان الحواس. تختفي حاسة الشم، ثم التذوق ثم جميع الحواس.
بطلا الفيلم، اختصاصية في علم الأوبئة، وطباخ يعمل في مطعم مقابل لشقتها، قلّ زبائنه بسبب انتشار المرض، وبعد قضاء ليلة معاً، يستيقظ البطل مصاباً بالمرض.
تبدو الكارثة الحسية بعيدة في البداية، لكنها تصبح حقيقية وحتمية، الوعي بأن الوصول إلى نهاية الحواس، يغزو لحظاتهما الحميمية، ما يؤدي إلى دخولهما عالماً جديداً مثيراً بلا حواس.
الفيلم الثاني، يحمل عنوان “الأوشحة المطلية” (The Painted Veil)، عرض عام 2006، ويروي قصة شابة تتزوج عالم جراثيم يعمل في الصين، هرباً من ضغوط العائلة، هي تحب الحياة وهو منطو على نفسه، وينتهي الأمر بخيانتها له، واكتشافه الأمر وكتمه.
فيقرر الزوج الذهاب والتطوع كطبيب وباحث في أرض بعيدة على حافة نهر، في منطقة ريفية تعاني من تفشي الكوليرا، مصطحباً زوجته معه.
في تلك المنطقة الشاعرية الملوثة بالموت وباء الكوليرا، تنشأ شراكة جديدة بين البطلين غير الحب، بيئة شاسعة وقاتلة، تجبر الطرفين على اجتياز المصاعب والانفتاح على التسامح وسط الآلام والمعاناة والموت وفشل الزواج.
يقدم المخرج الأميركي جون كوران فيلم “الوشاح المطلي”، مستنداً إلى كتاب بالعنوان نفسه للروائي “ويليام سومرت موم”، وهو فيلم روائي خيالي يتميز بمشاعر حقيقية.
فيلم “سينكدوكي، نيويورك” (Synecdoche, New York)الذي عرض عام 2008، يأخذنا أيضاً إلى الحياة البائسة لمخرج مسرحي هجرته زوجته وحرمته من طفلته، ويصاب بحالة مرضية غامضة وغير مألوفة تؤدي إلى الشلل.
رغم كل هذه العوائق، يبقى المخرج مصراً على إنتاج عمل مسرحي ضخم. يمضي كامل حياته وهو يؤسس مسرحاً، يشبه مدينة نيويورك، فيبدأ ببناء مدينته، داخل مستودع كبير. يستقطب عدداً من الممثلين والممثلات، ويطلب منهم إكمال بقية حياتهم داخل هذا المسرح.
يغوص الفيلم في التحليل النفسي للشخصية، التي يحولها المخرج المشلول إلى مسرحية هي نسخة طبق الأصل عن حياته ويدفن نفسه فيها، هي المسرحية المتأرجحة بين الواقع والخيال، وتظهر التشابك المحتم بين الحياة الحقيقية والحياة المسرحية.
فيلم يمزج السريالية بالواقعية، يطرح أمامنا مشاعر غير واضحة، وأفكاراً حادة وصعبة، يثير العديد من التساؤلات عن طبيعة الجنس البشري، وطريقة التواصل مع الآخرين.
كما يكشف عن إرضاء “الأنا”، وحب الذات، كل ذلك من خلال مسيرة حياة رجل واحد.
فيلم ” الختم السابع” (The Seventh Seal) عرض عام 1957، تدور أحداثه أثناء انتشار الطاعون أو “الموت الأسود”، وتشكل فكرته، جزءاً من النقاش الذي دار بين الفنانين والفلاسفة في فترة الحروب الصليبية، حيث إعادة النظر في المعتقدات الراسخة حول الحضارة والدين ومكاننا في الكون.
يقدم مخرج الفيلم نظرة عميقة إلى العقليات وطرق التفكير والحياة، عندما كان الطاعون منتشراً في جميع أنحاء الأرض، والناس يتساقطون مثل الذباب.
ويتضمن الفيلم القديسين والمخطئين وغير المؤمنين والأبرياء والفقراء والأغنياء، ونشاهد الطريقة التي يتعامل بها هؤلاء مع العنف والظلم في عالمهم الذي هو مرآة لمعضلاتنا الوجودية.
فيلم “نفور” (Repulsion) الذي عرض عام 1965، ويعالج فكرة “الوسواس القهري” من خلال قصة فتاة عشرينية تعاني وسواساً قهرياً بالنظافة والترتيب، وعذراء تعاني رهاب الذكور.
تتقاسم الشقة مع شقيقتها إلى أن يخترب روتين حياتها الرتيبة مع مغادرة الأخيرة في إجازة مع عشيقها المتزوج، تبقى وحيدة بوجه وساوسها العويصة. تضطر لملازمة المنزل بعدما واجهت مشكلة في العمل.
من هنا يبدأ عقل الصبية بالتفكك، بل يمحو الخيط الفاصل بين الواقع والخيال. عندما تبدأ الهلوسة، يتكاثر أعداؤها المتخيلون حتى داخل منزلها.
في غرفة نومها مغتصبون، في الجدران أيادٍ تتلمّسها، الهاتف يترصّدها أيضاً، لا يكفّ عن الرنين حتى تقصّ سلك الهاتف.
إلى جانب هذه الأفلام، تقف مجموعة كبيرة أخرى، تعرض لأمراض وأوبئة ونهايات متخيلة للعالم الذي نعيش فيه، بفعل الطبيعة وأيدي البشر وعبثهم، ربما تصح إحدى سيناريوهاتها في العالم الحقيقي.
تلفزيون الخبر