حضارات العالم تحكي عنه.. من هو “أبولودور الدمشقي”؟
قال شاعرٌ لاتيني يُدعى جوفيال، يوماً: “إن نهر العاصي السوري أخذ يصبّ مياهه منذ وقت طويل في نهر التيبر، حاملاً معه لغته وعاداته، وهذا خير دليل على الحضور السوري المتميّز ونفوذه في روما”.
كما ويذكر كتاب شهير في جامعة “كامبردج” “أنّ سوريا في مجال العمارة كانت متقدّمة على روما، لا بل كانت بالنسبة إليها النموذج الذي احتذته، وأنّ سوريا تفوّقت على روما في عبقريتها المُبدعة وفي معارفها التقنية وفي مهارة عمّالها”.
ليبرز بشكل جلي إزاء ذلك اسم المعماري السوري أبولودور الدمشقي، أحد المبدعين المولودين في دمشق، والمكنّى لاحقاً بِاسم مدينته، حيث طبع النهضة العمرانية في روما بطابع شرقيّ خارجٍ عن التقاليد المألوفة في العمارة والبناء.
و”أبولودور” هو المعماري والمهندس المدني والعسكري، الذي جاء اسمه انعكاساً لامتزاج الحضارة السوريّة من جهة الآراميين، التدمريين والحضارة اليونانية، ولد في دمشق عام 60 ميلادياً، وتوفي في أوروبا نحو عام 125 ميلادياً، بعد أن كان يشغل منصب وزير الأشغال العامة.
ويوجد اليوم للمعماري تمثال في متحف “ميونخ” في ألمانيا يتّضح أنه كان متين البنية، نبيل القسمات، وجهه يحتوي على قسمات شرقية واضحة، وللأسف، فإنّ حياته بقيت غامضة، لتكون آثاره العمرانية المتناثرة أو ما تبقّى منها الأثر الوحيد له.
ويقدّر عدد الأعمال التي أنجزها وحقّقها “أبولودور” وفق الدراسات الحديثة بخمسة عشر عملاً على الأقل، وأهمها السوق الذي بناه على سفح رابية “كويدينال”، المعروف بِاسم “الفوروم التراجاني”.
وبنى “أبولودور” أيضاً جسره العملاق على نهر الدانوب، الذي صعب على الرومان، صبّ أساسات وركائز في سرير النهر، إذ كان من الغزارة بحيث لا يستطيعون تحويله، ولكن “أبولودور” تصدى لهذا العمل فنجح في إرساء عشرين ركيزة قوية، في لجّة النهر، ثم مّد الجسر بطول 1100 متر، وما تزال بعض آثاره باقية حتى اليوم.
أما معبد “البانثيون” معبد مجمع الأرباب، فيعدّ من أهمّ المعابد الرومانية المستديرة الباقية ـ حتى يومنا هذا ـ وهو من منجزات “أبولودور” ومن تصميمه، ويعود تاريخه إلى عام 114.
ولـ”أبولودور” الدمشقي منجزات باهرة أخرى، منها الحمّامات التي شيّدها على رابية “الانسكويلينوس” التي يقول عنها ليون هومو «إنها حدّدت الشكل النهائي للحمّامات، إذ أصبح على التصميم أن يلبّي حاجتين أساسيتين هما: الاستحمام بأشكاله ومراحله المتعدّدة من جهة، والترويح والرياضة من جهة ثانية».
ويُنسب إلى «أبولودور» قوس النصر في مدينة “بيغافتوم”، وقوس النصر في مدينة “أنكونا”، ومن منجزاته أيضاً مسرح موسيقيّ اسمه “أوديون” في مدينة «مونتي جورديانو» وغير ذلك كثير، ومن المفيد ذكر مؤلّفه عن «آلات الحصار» الذي وصلت بعض رسومه مستنسخة في مخطوط بيزنطيّ.
أمّا نهاية هذا المعماريّ، فكانت على يد الإمبراطور “هدريان” الذي لم يكن على وفاق مع “أبولودور”، وكان ينتقد تصاميمه كثيراً ونفاه من روما ثم أمر بقتله.
يذكر أن الجامعات والمعاهد المعمارية في شتّى أرجاء العالم لازالت تدّرس نظرياته ومنجزاته الباقية آثارها إلى الآن.
تلفزيون الخبر