“كنان ادناوي” يصحبنا في رحلة غير تقليدية مع آلة العود
اصطحبنا “كنان ادناوي” في رحلة مع آلة العود وأدوارها المختلفة، مع إبراز إمكانياتها وطواعيتها وجمالياتها سواء كعزف منفرد أو جماعي، أو في تأدية ألحان الأغنيات التراثية، والحوار القادرة على إجرائه مع آلات أخرى.
رافق ادناوي في الحفل الذي احتضنه مسرح المركز الوطني للفنون البصرية كل من عازف الناي ابراهيم كدر، وعلى الكونتر باص باسم الجابر، وعازف الأكورديون وسام الشاعر، وعلى الإيقاع محمد شحادة.
بدأت الأمسية بمقطوعة “تحية” التي امتازت بحيويتها وتنوعها الإيقاعي وروحانيتها، ودراميتها العالية، بحيث جاءت نغمات الكونترباص والأكورديون والناي بموازاة ما يجود به عود “ادناوي”، بعيداً عن التطريب المُعتاد الذي يبتغيه الجمهور من هذه الآلة، لكنها خلقت جسوراً من نوع آخر، وتفاعلاً كبيراً مع المستمعين في الصالة.
مثلها مثل معزوفتي “حصاد” “وحالة حب” التي واظبت فيها الفرقة على تعزيز مناخات نغمية جديدة ومنسجمة فيما بينها، على اختلاف المقامات والإيقاعات، إضافة إلى الارتجالات الجميلة والفريدة، كما في “مايلة ع الغصون عيني”، التي انتقل فيها العود إلى حوارية مع الكونترباص، بدأت كما قال “ادناوي” من “تمرين ثنائي إلى جدلية موسيقية”.
تلك الجدلية كانت توارب المتناقضات وتسعى لإضفاء مسحة من السلام بين آلتين لا تبدوان من بعيد على وفاق، لكنهما في هذه المقطوعة أعلنتا التواؤم والالتئام المُحِبّ، بينما مقطوعة “رقصة” فكانت ملوَّنة نغمياً وإيقاعياً وفيها اشتغال على التكنيك العالي والتوافقات بين العود والإيقاع بشكل أساسي، وبينه وبين الأكورديون.
الأمر ذاته يتجدد في بعض الأغنيات التراثية من مثل “يا مال الشام” و”زينوا المرجة”، التي تبدأ باللحن الذي نعرفه وتستمر في ارتجالات نغمية عالية المستوى والاتساق والفرادة، أخذتنا في رحلة أقل ما يُقال عنها إنها فائقة المتعة وستبقى في الذاكرة طويلاً.
وفي حوار خاص لتلفزيون الخبر مع العازف والمؤلف الموسيقي “كنان ادناوي” قال: “هذه الحفلة وبرنامجها جزء من مشروع وتجربة موسيقى آلية جديدة للعود وللموسيقى الشرقية عموماً، وفي عدة أماكن من العالم.
وأعتبر أن هذا النوع من الموسيقى يعطي مساحة للعازفين أن يقدموا موسيقاهم وإمكانياتهم الفنية بطريقة غير تقليدية وأكثر تفاعلاً مع الناس والحضور وعموم المستمعين”.
وأضاف: “حالياً هناك تطور واضح بمستوى العازفين على الآلات العربية متل العود والقانون والناي… وبرنامج الحفل كان فيه تأكيد على هذه النقطة من خلال الارتجالات، وتعاطي العازفين مع نوع جديد نسبياً من المؤلفات الموسيقية العربية والذي يتطلب عازفين ماهرين على آلاتهم، وقادرين على التفاعل مع الإيقاع والتغييرات اللحنية وإيصالها بشكل جيد للحضور”.
وأوضح “ادناوي” أن الموضوع لا يتعلق فقط بإظهار العود بشكل مختلف وغير نمطي، وإنما استعمال إيقاعات الموسيقى الشرقية والمقام الموسيقي وأساليب العزف بشكل مختلف أيضاً.
أما عن التكنيك العالي الذي قدَّمه “ادناوي” فأوضح أن كل قطعة كانت تتطلب نوع تكنيك مختلف، سواء بالريشة، أو اليد اليمنى، واليسرى أيضاً من خلال بعض التفاصيل، في حين أن بعض المقطوعات فكانت بإطار الطبيعي جداً ولم يكن هناك أي اعتبار لأي مضمون تقني.
وأضاف أن الهدف هو العناية بالصوت وبالتلوينات الصوتية وإظهار المجموعة الموسيقية بشكل متوازن ومنسجم كما في مقطوعتي “الحصاد” و”حكاية حب”، وبعض المقاطع من “تحية” والقطعة الأولى من العزف المنفرد.
أما بعض المعزوفات الأخرى فكان هناك حضور تقني بارز، يتطلبه نوع التأليف، بينما الطرب المعتاد من آلة العود فكان قليلاً للغاية رغم وجوده في بعض الأماكن.
يقول “ادناوي”: أحد أساسيات هذا النوع من الموسيقى التي قدمناها هي التفاعل بين الموسيقيين مع بعضهن وبين الموسيقي والموسيقى التي تقدم.
وأعتقد كنا موفقين في اختيار الأوقات المناسبة والإيقاعات المناسبة للارتجال، وكل عازف أظهر شيئاً من إمكانيات، ليست تقنية واستعراض، بل هي حالة فهم وتفاعل ونضج موسيقي، إضافة أنه للمادة الموسيقية المكتوبة بُعدٌ آخر، خَلَقَ نوعاً من التواصل السريع والمهم مع الجمهور”.
وعند سؤالنا عن العلاقة بين العود كآلة شرقية والموسيقى الغربية، والتي برزت بعض ملامحها في الأمسية، أجاب “ادناوي”: العود آلة شرقية بامتياز، لكن تطور مناهج الدراسة وتطور أساليب العزف وتنوعها جعلها تكون بجهود بعض الموسيقيين والعازفين خارج إطارها التقليدي.
وهذا أدى إلى توسيع دائرة مستمعي العود، وبتنا نراها في الجاز ومختلف أنواع موسيقى العالم، إضافة لوجودها الثابت في الموسيقى العربية والشرقية، ونراها مع أوركسترات، وفي بعض المؤلفات الموسيقية المعاصرة”.
المايسترو “ميساك باغبودريان” قائد الفرقة السيمفونية الوطنية أوضح لتلفزيون الخبر أن “كنان” حاول أن يخرج العود من الأطر التقليدية المتعلقة بالتخت الشرقي ومرافقته للغناء، مستعيناً بذلك بتشكيلية موسيقية غير تقليدية بين العود والكونترباص والأكورديون والناي.
وقال: كانت الحفلة بمثابة سعي لإخراج العود من مكانه التقليدي في المخيلة الشعبية، وفق صيغ مختلفة لظهور آلة العود على المسرح، وتقنيات العزف عليها، بما فيها الأكوردات وحركة الأصابع بما يشبه العزف على الغيتار وغير ذلك.
وأضاف باغبودريان: صحيح أنه كان هناك بعض التقسيمات التي تستجلب الجانب العاطفي، لكن في أماكن أخرى لم تكن موجودة، وتركز الموضوع على الهارموني والأكوردات بألوان موسيقية مختلفة وبمرافقة الآلات الأخرى، إضافة إلى التقنية العالية في العزف وصولاً إلى أبعد نقطة في العود وتقديم “بوزيسيونات” عند القمرة من أخفض نوتة إلى أعلى نوتة ممكنة.
يذكر أن “كنان ادناوي” عاد مؤخراً إلى سوريا بعد دراسته العليا في الخارج، وقدم ورشة عمل مع طلاب آلة العود في المعهد العالي للموسيقى بعنوان “لمسة وفا” نقل من خلالها بعض خبراته لطلاب الآلة على الصعيد التقني وعلى مستوى الرؤية الخاصة للعود كآلة سولو تمتلك الكثير من الإمكانيات غير المكتشفة حتى الآن.
بديع صنيج- تلفزيون الخبر