الفن بين تذوق الجمال والعلاج النفسي
يعد العلاج بالفن أحد مداخل العلاج النفسي، تقوم فكرته بشكل أساسي على اتباع نمط مثل الرسم أو الموسيقا أو الدراما، وذلك من أجل إخراج الطاقة السلبية الكامنة داخل المريض وشحنها بأخرى إيجابية ومن ثم تحسين حالته البدنية، العقلية، والعاطفية.
ويعد العلاج بالفن بديلاً للعلاج النفسي التقليدي، الذي كان يعتمد بشكل رئيسي على إصغاء الطبيب النفسي إلى شكوى المريض، عبر جلسات مطولة يقوم بها الطبيب بعدها بوصف الأدوية، ولعل ما يؤكد صحة النظرية هو طريقة استجابة الدماغ لأغنية يحبها وتغير حالة الفرد النفسية بعدها.
وتختلف أنواع الموسيقى الموجودة وأصنافها باختلاف الذوق الموسيقي للشخص نفسه، ولا يمكن نكران تجاوز الموسيقى قيمتها من مجرد الاستماع إلى الوصول لأهميتها كعلاج ومسرع في عملية الشفاء، ويميل معظم الأشخاص لا شعورياً إلى الاستماع لأغنية يحبونها عند الشعور بالضيق، نظراً لتحسن الذي يشعرون به بعد انتهاءها، ليس فقط الاستماع بل بممارسات أخرى أيضاً.
ومن جهة الطب النفسي، تعمل الموسيقى على تحفيز العقل والجسد على الاسترخاء، أو استحضار مشاعر وأفكار معينة والمساهمة في مواجهتها، إضافةً لدورها في تخفيف الألم والمساعدة على التقليل من الاكتئاب، والحد من القلق، ويقول بيتهوفن: “الموسيقى هي نوع من الوحي قد يكون أعمق من الحكمة والفلسفة، الموسيقى هي التربة الخصبة للنفس حتى تحيا وتفكر وتخترع”.
ويبين الموسيقي جمال عواد، متخصص بتأهيل ذوي الاحتياجات الخاصة، معظم الناس يتخيلون أن العلاج بالموسيقا هو عبارة عن تعريض المريض لتجربة سمعية معينة واختيار مقطوعة موسيقية معينة تؤدي الأثر المطلوب.
ولكن الحقيقة أن الاستماع هو تقنية بسيطة واحدة من عدد كبير من التقنيات الموجودة في الاستشفاء بالموسيقا، فهناك العزف أو الغناء أو الارتجال الموسيقي ، أما في مجال الاستماع للموسيقا فلا توجد مقطوعة محددة.
بينما يساهم الرسم، حسب الطب النفسي، في علاج الاكتئاب الشديد أو المعتدل، ويقوم خلالها المريض برسم لوحة وشرح أهميتها ومعناها للمعالج النفسي، بحيث تكون اللوحة بمثابة لقاء مع النفس ومرآة تمكنه وتمكن الشخص من رؤية نفسه وتعرف جوانب شخصيته، بالتالي مساعدة المعالج في الوصول لزوايا خفية في شخصية الفرد.
ويقول الكاتب المصري الراحل توفيق الحكيم: “الفن أداة الإنسانية لتأمل ملامحها ومعرفة نفسها”، أي أن الرسم وسيلة يعبر بها الشخص عما يمر به بشكل غير مباشر، وسبر أغوار نفسه، غير مدرك لما يقوم به، بحيث يعبر كل لون عن شعور، والخطوط التي يقوم الشخص برسمها تدل على حاله النفسية، إضافةً للفكرة الرئيسية التي تدور اللوحة حولها.
ويعد العلاج بالدراما من الأنواع المبتكرة بالعلاج، تكمن وظيفتها الأساسية في تفريغ انفعالات الفرد ومشاعره الدفينة من خلال تمثيل أدوار لها علاقة بموقف حدث معه بالماضي أو يتخوف من حدوثه في المستقبل أو يواجهه يومياً.
ويتحقق له الشفاء من أي صراع نفسي يدور بداخله، من خلال مواجهة الحالة، ثم معرفة المخاوف ولمسها، وفي النهاية التغلب عليها.
ويستخدم العلاج بالدراما تقنيات مسرحية كأداء دور الآخر ثم قلب الأدوار، فتساعد في علاج مشاكل الثقة بالنفس، منها البسيطة كالتقدم على وظيفة، وصولاً إلى الموجودين في السجون الذين يسعون لمعالجة مشاكل تعود جذورها إلى الماضي وبنفس الوقت تهيئة للعودة إلى المجتمع والانخراط في علاقاته، حسبما بينت الممثلة والمعالجة بالدراما زينة دكاش.
وتشير دراسة أجرتها كلية لندن الجامعية أن الفنون تساعد في طول العمر من خلال تحسين الصحة العقلية وتعزيز العلاقات الاجتماعية والنشاط البدني وتقليل الشعور بالوحدة، ويضاف للموسيقى والرسم والدراما كل من الكتابة والرقص كوسائل للعلاج النفسي.
بتول حجيرة – تلفزيون الخبر