موالون أم معارضون ؟ .. هل وجد السوريون في الخارج “وطناً” في مهجرهم ؟
سبعة ملايين سوري غادروا البلاد خلال فترة الأحداث الممتدة على مدى ثماني سنوات، تختلف أسبابهم وتتعدد، فما هي تلك الأسباب ؟ ولماذا يعتقد البعض أن السوريين في الخارج معارضون؟ وهل وجدوا في مهجرهم “وطناً بديلاً” ؟ وما موقفهم من العودة ؟
أسبابٌ متنوعة منها الأمنية والاقتصادية تلك التي دفعت السوريين إلى مغادرة البلاد سواء لجوء، نزوج أو هجرة، وتأتي في مقدمتها “الحرب التي اشتدت بين عامي 2012 و2016، الفترة التي خرج فيها الجزء الأكبر من السوريين”، بحسب مؤسس قناة “Syriana Analysis” للتحليل السياسي وأخبار الحرب السورية، كيفورك ألماسيان.
كيفورك الشاب السوري الحلبي، المقيم في ألمانيا منذ أربع سنوات، والذي تعرض لمختلف أشكال التنمر والأذية، لمجرد أنه عبر عن رأيه تجاه ما يجري في سوريا، وآمن بقضية، ودافع عنها.
يقول ألماسيان لتلفزيون الخبر: “بعض السوريين خرجوا بسبب الخطر الأمني المحدق نتيجة الأعمال القتالية، بينما غادر اَخرون بسبب تدهور الحالة الاقتصادية”.
ويتابع “هناك فئة تحمست للخروج إلى أوروبا وكأنها “موضة مُتَبعة”، حيث أغرتهم الشائعات التي انتشرت بأن كل لاجئ سوري يصل إلى ألمانيا أو البلاد الأوروبية يحصل على بيت وطبابة ومرتب مالي”.
ويؤكد ألماسيان أن “بعض هذه الشائعات تحمل جزءاً من الصحة، لكن يوجد بالمقابل التزامات وواجبات مثل تعلم لغة البلد، التدريب المهني والانخراط في سوق العمل، إضافة إلى أنه على الكثيرين العيش في مخيمات اللجوء التي تحتوي من 300 إلى 1000 شخص”.
أما بالنسبة لمن خرجوا بهدف “لم الشمل”، يقول ألماسيان: أنهم “انصدموا بالواقع لاسيما بعد تغير الظروف السياسية في مختلف الدول الأوروبية، إثر موجة اللجوء الكبيرة وصعود نجم اليمين المتطرف”.
من وجهة نظر أخرى، يرى الناشط الاجتماعي، ميشال برخو، أن “الهجرة السورية التي بدأت منذ 2011 جاءت “لحماية الذات” مع اندلاع الأحداث وعدم الاستقرار الأمني وسوء الأحوال الاقتصادية”.
“الانهيار الإقتصادي وسوء الأحوال المعيشية خلقا مشاكل أمنية، وبحكم الواقع ونتيجة انسياق الكثير من السوريين لما سمي “ثورة” باتوا يخشون الملاحقات الأمنية، فقرروا المغادرة”، بحسب برخو.
يتابع برخو قائلاً: “هاجر بالمقابل قسم كبير من الشباب السوريين بدافع عدم المشاركة في المعارك من جهة أو السوق للخدمة الإلزامية من جهة أخرى”.
“إضافة إلى انقسام الشارع الذي تولد عنه نوع من “اللا ثقة” بين أبناء الشعب الواحد، ليجد قسم أكبر نفسه غير واثق من البقاء لأسباب سياسية”، ينهي برخو المقيم في السويد تعداد الأسباب التي دفعت السوريين إلى الخروج من البلاد.
من يعطي الانطباع بأن السوريين في الخارج “معارضون”؟
يرى الناشط الحقوقي برخو أنه “مع بداية أولى موجات النزوح والهجرة انتشر انطباعاً عاماً شاركت بتدعيمه وسائل الإعلام، بأن جميع السوريين الذين خرجوا من البلاد هم معارضون”.
وأرجع برخو ذلك الانطباع إلى “التصويب الإعلامي العربي والعالمي على حد سواء، الذي ركز فقط على السوريين في مخيمات اللجوء بين الأردن، تركيا ولبنان، وهؤلاء فعلاً غالبيتهم معارضون ولكنهم لم يكونوا وحدهم من هاجر أو نزح”.
و”تأخر الرأي العام الأوروبي في إدراك حقيقة أن ليس كل من جاء لاجئ هو معارض للدولة السورية أو له نشاط سياسي، حتى عام 2015 حيث شهد وصول أكبر دفعة من اللاجئين السوريين إلى أوروبا من غير المحسوبين على أي من شطري الخلاف”.
“كما تأثر الرأي العام الأوروبي بتلك الأفكار المسبقة، بسبب بعض وسائل الإعلام الكبرى العربية والعالمية التي كانت لها توجهاً متطرفاً وغير حيادياً في نقل الأحداث السورية وإيصالها إليهم بطريقة خاطئة”.
من جانبه، يرى مؤسس قناة “Syriana Analysis” أن “الصورة العامة التي تعطي انطباعاً بأن جميع السوريين في الخارج معارضون، تعود لخشية السوري المؤيد من التعبير عن آرائه دون أن يتعرض لقمع أو تهديد أو حتى حرمان من العمل”.
“تعرضتُ إلى تهديدات واعتداء جسدي في شوارع ألمانيا، بعد حملة شنتها ضدي وسائل إعلامية ألمانية، وأخرى ممولة من قطر وتركيا وصفحات تابعة للإخوان المسلمين، بسبب موقفي السياسي ونشاطي الإعلامي الذي يفضح جرائم ونفاق ما يسمى بـ”الثورة السورية”، يروي ألماسيان.
ويرجع ألماسيان سبب خشية السوريين من التعبير عن آرائهم المؤيدة في الخارج إلى أنهم “يدركون بعد وصولهم إلى أوروبا أن حرية التعبير فيها “ليست مطلقة” كما يعتقدون، وأن مبدأ “الخيار والفقوس” مطبَّق فيها أيضاً”.
ويتابع “يكتشف السوري بعد حصوله على الإقامة بأن فرصة الحصول على العمل لا تتعلق بشهادته ومهاراته، بل أيضاً بموقفه السياسي”.
ويجزم ألماسيان أن “معظم وسائل الإعلام والمنظمات الحكومية وغير الحكومية في ألمانيا، تشترط موقف سياسي معادي للسلطة السورية للحصول على فرصة عمل أو منحة دراسية”.
“يخشى السوري المؤيد للدولة السورية التعبير عن رأيه بحرية في أوروبا” يقول ألماسيان، “فلا توجد فيها سجون حديدية لأصحاب هذه المواقف، ولكن هناك سجون اقتصادية يتم رميهم فيها إضافة إلى قطع أرزاقهم وتشويه سمعتهم وسلبهم فرص عملهم”.
وعن حصول السوري على امتيازات في حال تعبيره عن آراء ضد الدولة السورية، اعتبر الناشط الاجتماعي، برخو، أن “هناك جهات لها أجندات خاصة تستثمرها من خلال الصوت المعارض فتعمل على استغلاله، الأمر الذي اعتمدته تركيا وبعض دول الخليج المنخرطة في الصراع السوري”.
أما في أوروبا فلم يرَ برخو أن “هناك امتيازات لسوري عن سواه، فالكل تحت سقف قانون واحد واللجوء حصل عليه السوري الموالي والمعارض والمحايد”.
ولعل مشهد توافد عشرات الآلاف من السوريين الى سفارة بلادهم في لبنان للمشاركة في الانتخابات الرئاسية أواخرعام ٢٠١٤ واعتراف الوكالات العالمية بالصور، على الرغم من معاداتها لسوريا، وتصوير السوريين في لبنان على أنهم معارضين، يمكن أن يعطي انطباعاً عن البروباغاندا التي ترسم.
هل يخطط السوريون في الخارج للعودة ؟
يتمنى ألماسيان أن يكون مخطئاً في تقييمه لنقطة عودة السوريين إلى البلاد حيث يرى أن أغلبهم لن يعودوا مجدداً للاستقرار فيها إلا كزوار لا سيما بعد حصولهم على جنسية إحدى الدول الأوروبية.
ويرى ألماسيان أن “تدهور الوضع الاقتصادي في سوريا، يحول دون رجوع الكثير من السوريين حتى لو كانوا عاطلين عن العمل في ألمانيا وغير قادرين على الاندماج في المجتمع الغربي”.
علاوة على ذلك، يعتقد ألماسيان أن “فئة من السوريين قطعوا خط الرجعة، لانخراطهم في نشاطات عدائية مع منظمات مشبوهة ضد البلد”.
ويتفق برخو مع ألماسيان في موضوع عودة السوريين إلى البلاد ويقول: “سوريا في وضعها الراهن لا تشجع أبداً حتى على التفكير في العودة إليها، لا سيما لمن مازالوا في سن الشباب”.
ويبني برخو رأيه على عدة معطيات يأتي في مقدمتها “ما يقرؤه السوريون في الخارج يومياً عن المشاكل والمتاعب وانعدام مقومات الحياة فيها”.
ويتمنى برخو أن “تتبدل معطيات الواقع الحالية في البلاد”، منوهاً إلى أن “هناك الكثيرين ممن يتمنون انتهاء الحرب ليتمكنوا من العودة إليها”.
هل وجد السوريون في هجرتهم “الوطن البديل”؟
“بمجرد وصول السوري إلى الوجهة التي تخيلها “النعيم” المقابل “لنار بلاده”، يبدأ صراعه بين سقف توقعاته المرتفع، وحقيقة الواقع الأليم”، يصف أحمد (اسم مستعار) المقيم في إحدى الدول العربية، حال السوريين في الخارج.
يقول أحمد (ناشط في المجال الإعلامي): أن “الصورة التي نكونها عن البلاد التي نخرج إليها، هي غالباً ماتكون بالفعل مجرد صورة ومنظر نجح الإعلام بتصديره فقط، وهو بعيد كل البعد عن الواقع الحقيقي”.
“سرعان ما يبدأ السوري بالمقارنة بين بلاد “الأم العيارية” و”أمه الحقيقية” في مختلف المجالات”، يباشر أحمد بتعدادها من الناحية الاقتصادية.
“في تلك البلاد كل شي مرتفع التكلفة، سواء مواصلات، طعام، لباس وحتى نفس الأركيلة التي نعتاد على شربها يومياً في المقاهي السورية، تصبح هناك كماليات ومقتصرة على توافر “البحبوحة””، مازال أحمد يدعو البلد التي يقيم فيها حالياً بـ”هناك” رغم وجوده فيها حتى الآن.
أما من الناحية النفسية، يتنهد أحمد ويقول: “الخوف هو الصديق الدائم للسوري في مهجره، حيث يشعر بأنه غريب وغير محمي،فلا نهتم بمواقفنا السياسية في الخارج، مؤيدين كنا أم معارضين، وتغلب على أحاديثنا حكايات سوريا وتفاصيلها وذكريات كل منا في المدينة التي ولد وتربّى فيها”.
ويؤكد أحمد أنه “غالباً ما يعدِّل السوري آراءه في الخارج لاسيما في حال كانت معارضة بشدة، خاصة عندما يكتشف الفرق الشاسع في الخدمات اللازمة للحياة الطبيعية التي كان يحظى بها في سوريا واعتاد عليها كبديهيات، وبينها نفسها في تلك البلاد”.
ويضيف أحمد أن “معظم السوريين ممن عادوا الدولة السورية أو أطلقوا تجاهها آراءً معارضة في الخارج، هم أول الناس الذين ينتظرون عودتهم إلى البلاد، في حال تأكدهم أنه بإمكانهم تسوية أوضاعهم دون تعرضهم لمسائلة أو مضايقة ما”.
مهما ابتعد السوريون عن وطنهم، واختلفت آراؤهم وتنوعت، تبقى سوريا المنارة التي “ترحل إليها كل يوم عيونهم”، و”كلمة سر” ثابتة تحميها نبضات قلوبهم، مرددين كلمات أغنية تشرح حالهم “تركني روح ورح إرجع لو حتى بالأحلام، يمكن شي يوم إرجع ويهنيني زماني”.
توفيق بيطار – تلفزيون الخبر