ثقافة وفن

مصلحجي ومشكلجي وحلونجي.. اللاحقة “جي” في اللهجة المحكية السورية


لغة الناس وعاء ثقافتها، والحامل الأمين لمشاعرها وأحلامها ويومياتها، بعض المفردات تدخل قواميس اللهجات المحكية وتصبح جزءاً من اللغة تفرض نفسها حتى لو لم تكن من أصلها.

تمر على آذاننا يوميا مصطلحات مثل “مصلحجي” أو “دكنجي” أو “كومجي” وكثير غيرها مزودة باللاحقة “جي” التركية، التي غزت اللغة العربية إبان الاحتلال العثماني للمنطقة.

تلحق “جي” بكثير من الصفات وحتى بعض أسماء العائلات المعروفة، وبطبيعة الحال كان انتشارها أوسع خلال العقود التي تلت خروج العثمانيين من بلاد الشام، وحافظت على وجودها في اللهجات العامية، للدلالة على من وقع منه الفعل، في حين تستخدم اللغة العربية ياء النسبة أو اسم الفاعل.

واعتبر الدكتور شكري فيصل من مجمع اللغة العربية، كما نقل عنه أحد طلابه، أن “المجمع لا يعاند الضرورة اللغوية، وما أباحه القدامى لأنفسهم للابد أن نبيحه لأنفسنا”.

ومن الكلمات التي يلحق بها “جي” وكانت متداولة على نطاق واسع خلال العقود الأولى للقرن العشرين، كلمة “عربجي” أي سائق العربة أو الحوذي في اللغة العربية، ويعتبر البعض أن كلمة “عربجي” أكثر دلالة، حيث تستخدم كلمة واحدة ذات دلالة واضحة بدل كلمتين أو الحوذي التي لا تعطي المعنى الدقيق للفاعل هنا.

ومثلها نتداول بشكل دائم كلمات الكومجي (مصلح إطارات السيارات) أو المطبعجي (العامل على طباعة الورق)، وكثير من المهن التي ليس لها اسم فاعل في العربية، فنقول “كندرجي” و”جوهرجي” و”قهوجي” و”حلونجي” و”خضرجي” وغيرها كثير مما لا مجال لذكره.

كما غزت “جي” عالم الموسيقى والعازفين على الآلات فظهر “القانونجي” (عازف القانون)، والبزقجي (عازف البزق)، والدوزنجي .

وترتبط اللاحقة “جي” ارتباطا وثيقا بالحياة الشعبية، فمثلا تلحق بكلمة “مشكلة” العربية فتدل على مفتعلها ومثيرها فنقول “مشكلجي”، ولو أردنا الفصيح اضطررنا إلى استخدام كلمتين “مثير الشغب”.

وتلحق “جي” بالكلمة التركية المعربة “أونطة” او عونطة فنقول ” اونطجي ” او “عونطجي”، وكلمة بويجي مثلا أشيع من ماسح الأحذية ، ومثلها مكوجي وغيرها.

وفي الأزمنة التي كانت فيها معظم البيوت من الطين، كانت المزاريب تلف السطح بأقنية من التنك، لتتجمع في هذا المزراب أو ذاك، وكثر صناع المزاريب والصفائح والأباريق، فقيل لصاحبها “التنكجي”.

وعندما يشيد ” المعمرجي” بيتا من حجر يشترط على صاحبه أن يأتي بالتنكجي فلان حصرا، حتى لا يضيع عمله المتقن بتنكجي غير متقن للصنعة.

وكانت الخمارات قديما في ظاهر البلد، فظهرت كلمات خاصة بهذه المصلحة ، فالخمرجي هو صانع الخمور، والسكرجي هو المواظب على شرب الخمر.

يكثر استخدام هذه اللاحقة والمفردات المرتبطة بها في شمال بلاد الشام، وتقل في الجنوب، فلا وجود في قاموس الجنوب مثلا لكلمة “يالنجي” لكن هي “يبرق صيامي”.

وجرفت الحداثة اللغة بطريقها، وتراجعت اللاحقة من لغة التخاطب الرسمي وظلت في الأحياء الشعبية، تضاف إلى الصفات والأسماء.

وأعاد السوريون ابتداع مصطلحات ملحوقة ب”جي” وأرفقوها بمهن أخرى وبطريقة مميزة، فحولوها إلى أسماء لمحلات تجارية أصبحت علامة فارقة في منطقتها، مثل “زنبركجي” للشوكولا.

أو “فرنجكجي” كاسم للفرن الكعك والحلويات، أو الكشك الصغير في أحد أحياء دمشق العشوائية المعروف ب “فلافلجي”، ما يوحي بحرفية صاحبه وتميزه في مهنته نسبة إلى غيره من أصحاب الاختصاص ذاته.

مقالات ذات صلة

زر الذهاب إلى الأعلى