“أكتوبر الوردي” و”نوفمبر الأزرق”.. حملات للتوعية بالسرطان أم “حملات رعب” ؟
انتشر مرض السرطان حول العالم خلال العقود الأربعة الأخيرة بشكل ملحوظ ، وازداد معه الحديث عن مخاطره والتنبيه من أعراضه، حتى غدا محط اهتمام المنظمات العالمية والدولية،وخصصت له أشهرا وأياما للتوعية والوقاية منه.
إلا أن شعوبنا كان ولا يزال جزءاً منها لا يجرأ حتى على تسمية المرض باسمه “السرطان” بل يشار إليه (عند لزوم الحديث عنه) بـ”هداك المرض” خوفاً من سوء الفال المودي للإصابة الحتمية بمرض حير الناس، وافقدهم أحباءهم، بالرغم من التطور المستمر للطب والسماع كل فترة عن حل أو دواء هنا وهناك.
وكان للشهرين الأخيرين النصيب الأكبر من حملات التوعية من الحملات التي خصصت لأمراض السرطان حول العالم، أشهرها “أكتوبر الوردي” في شهر تشرين الأول لحملات الكشف المبكر عن سرطان الثدي.
وشهدت سوريا خلال الشهر الماضي افتتاح المراكز الحكومية والخاصة، بشكل مجاني أو شبه مجاني لفسح المجال أمام السيدات بأعمار مختلفة لإجراء كشف طبي للاطمئنان على صحتهنّ، بالإضافة لحملات توعوية كان ورائها متطوعون في المجتمع المدني المحلي والعالمي.
واستمر النشاط في سوريا بوتيرة أخف حدة، في تشرين الثاني ليكون “نوفمبر الأزرق” المخصص للكشف المبكر عن سرطان البروستات، ولم تتجاوز الحملات صفحات “السوشال ميديا”، وبعض الورشات الطبية التعريفية حول المرض.
وفي ظل إحاطة الناس بحملات التوعية من الأمراض السرطانية بشكل مستمر، وتكرار أعراض المرض والإحصائيات الخاصة فيه، انقسم الشارع السوري بين طرفين، أولهما حصل على الشق التوعوي من الحملات واستفاد من معلومات لم تكن بين يديه من قبل، وآخرون أصابهم الرعب والذعر من نسب الإصابة بالمرض، والخوف منه ومن احتمالية الشفاء فيه، وبذلك لعبت الحملات دور السلاح ذو الحدين.
واستطلع تلفزيون الخبر، رأي عينة من الشارع السوري، حول القضية حيث يجد غسان سلوم (طبيب مقيم)، أن “أفضل ما جرى خلال السنوات الأخيرة، هي حملات التوعية لا سيما المتعلقة بسرطان الثدي التي اقترت فيها التوعية بالكشف الطبي المجاني لاسميا في العام الأخير”.
وأضاف سلوم “الكلام “الشعبوي” المتداول والمتناقل بين عامة الناس بخصوص الأمراض – خاصة السرطان- للأسف أصبح أقوى من الحديث العلمي المبرهن بعدة مناطق من سوريا”.
وتابع سلوم “العقل غير المثقف بشكل صحيح يولد لديه خوف من أي تطرق لموضوع المرض الذي يخشاه مهما كان هذا الشيء بسيطاً أو هامشياً، ومنه حملات التوعية في بلدنا ضرورة هامة وفعالة لا غنى عنها للوصول الصحيح للوعي الطبي والصحي عند عامة الناس وتثقيفهم ونفعهم ولو كانت بالكلام فقط”.
من جهة أخرى، ترى ليلى جروج، أن “حملات التوعية كان فيها ضغط على المجتمع من خلال مواجهتهم الفورية بالمرض، ووضع الناس بدائرة الإلحاح بضرورة الفحص، دون امتلاك معلومات كافية، هو ما خلق الترهيب والرعب لديهم”.
وتكمل جروج حديثها لتلفزيون الخبر أن “الناس على اختلاف درجاتهم العلمية، أو مستوى ثقافتهم الكثير منهم يجتمع عند نقطة واحدة وهي الخوف من السرطان، والحالة الشاذة هي من تتحدث عنه براحة ووعي تامين”.
وتابعت “لذا أجد أن الحملات أشعرت الناس بوجود خطر مهدد، ومن الأسلم العمل بطريقة تدريجية، عن طريق التمهيد بالمعلومات لكبح الذعر الداخلي، من خلال بناء ثقافة قبول في البداية للمرض قبل اللجوء للفحص والحملات الشعبية الواسعة”.
أما هلا الآغا (طالبة جامعية) ترى أن “حملات التوعية من حيث تكرارها لرسائلها كل عام وبذات الطريقة، سطحت مفهوم مرض السرطان” مضيفة “لا اتفق مع جعله رهاباً، ولكن يجب ألا يفقد هيبته من حيث التنبيهات والتحذيرات، وألا يقتصر العمل على الفحص والكشف وهما أمران مخيفان لدى معظم الناس”.
ومن وجهة نظر طبية، أوضح الأستاذ في الطب النفسي في كلية الطب بجامعة دمشق ثائر حيدر، لتلفزيون الخبر أن “حملات التوعية بالسرطان ضرورية ومفيدة في المجتمعات ذات الثقافة الصحية الضحلة مثل مجتمعاتنا، كونها تلفت النظر لبعض الأعراض والعلامات التي تستوجب من صاحبها مراجعة الطبيب عند ظهورها”.
ولفت د.حيدر إلى أنه “بالنسبة للرأي القائل أن حملات توعية السرطان من الممكن أن تكون مرعبة أو مسببة للرهاب (الفوبيا) عند البعض فأنا لست مع هذا الرأي لأن الشخص الذي لديه توهم أو خوف أو رهاب المرض هو بالأساس لديه هذا الاضطراب سواء سمع وشاهد حملات توعية السرطان أم لا”.
وأكد على فكرة أن “فائدة وايجابيات حملات التوعية تفوق سلبياتها التي تتمثل في إثارة الخوف أو الرهاب”.
ومع تكرار الحملات ورسائلها وطرق عرضها سنوياً، يبقى الانقسام حولها مستمراً، إلى أن توجد طرق ترضي مختلف الأطراف من خلال التوعية لمختلف مناحي الحياة، في المناهج، والنشاطات الخارجة عن إطار الحملات الموجهة بأشهر وأيام معينة.
يشار إلى أن الفعاليات العالمية الطبية حول السرطان لا تقتصر على الشهرين الأخيرين، بل تخصص أيام كذلك؛ لسرطان الرئة، سرطان الأطفال، واليوم العالمي للسرطان، إضافة إلى الأيام العالمية الممتدة طيلة العام المخصصة لأمراض أخرى كالإيدز، السكري، الصرع، التلاسيميا وغيرها من الأمراض.
لين السعدي – تلفزيون الخبر