كيف تحولت الدروس الخصوصية إلى “موجة” عصرية يركبها الجميع راضين أو مرغمين؟
يتبادل الأهالي والمدرسين الاتهامات حول من يتحمل مسؤولية احتياج الطلاب إلى الدروس الخاصة، التي تحولت إلى ما يشبه الظاهرة في المجتمع السوري، تطورت شيئاً فشيئاً حتى لم تعد تستثن أي من المواد الدراسية، بعد أن كانت مقتصرة على المواد “الصعبة” خاصة العلمية.
فهل ارتبط مستقبل الجيل بالدروس الخاصة حقاً؟ وبات مهدداً في حال لم تتوفر له هذه الدروس بشكل دائم وفي جميع الصفوف؟ وماذا عن الأسعار المرهقة لمعظم الأهالي .
وتتفاوت أسعار الدروس الخاصة بين مناطق المحافظات السورية بشكل ملفت، فالأسعار في المدن قد تبلغ أضعاف مثيلتها في الريف، التي تختلف أسعارها هي الأخرى حسب تصنيف المناطق ما بين أحياء غنية ومتوسطة وفقيرة.
هذا إلى جانب نوع المادة الدراسية، فأسعار المواد العلمية تختلف عن اللغات والاجتماعيات بطبيعة الحال، ولو كان ذلك بفروق بسيطة، خاصة بالنسبة لطلاب الشهادات، وهذا عامل آخر يتدخل في الأسعار، فأسعار دروس الشهادات (التاسع والبكالوريا) مختلفة عن مواد الصفوف الانتقالية، كما تختلف بحسب المرحلة التعليمية.
وتتراوح أسعار الدروس الخاصة لدى بعض المدرّسين في العاصمة دمشق ما بين 3000 و5000 بالنسبة للمواد الأساسية، مع إمكانية ارتفاعها عن ذلك في بعض الأحياء الثرية، وفي محافظات أخرى مثل طرطوس واللاذقية، نجد دروساً بتسعيرة تبلغ ال3000 ليرة مقابل بعض المدرسين الذين لايزالون يتقاضون 500 ليرة مقابل الساعة للطالب.
وفي حلب لا تبتعد الأسعار كثيراً حيث يتقاضى المدرّس ما بين 2000 و1500ليرة، وتنخفض الأسعار في ريف المحافظة حتى 500 ليرة، أسوة بمثيلاتها في المحافظات الأخرى.
ورغم حلول المعاهد التدريسية كبديل في أحيان كثيرة، حيث يتم دفع مبلغ محدد للمواد جميعها، يفضل الغالبية الدروس الخاصة على اعتبار أن الطالب يحظى باهتمام أكبر من قبل المدرّس في الدرس الخاص.
لا تخفي أماني “الإرهاق المادي والمعنوي” الذي تعيشه نتيجة الدروس الخاصة لابنها في الشهادة الثانوية، وما بين درسين في الأسبوع لكل مادة علمية ودرس واحد لباقي المواد من لغات وغيرها.
حيث يبلغ مجموع ما يحتاجه ابنها خلال الشهر ما يقارب ال70 ألفاً، ما يشكل عبئاً على الأسرة التي تعمل فيها وزوجها كموظفين، إلى جانب عمل زوجها مساءً لتأمين دخل إضافي للأسرة المكونة من 5 أشخاص.
وتقول لتلفزيون الخبر :” لا نستطيع المغامرة بمستقبله خاصة في هذا العام الحاسم، ودائماً ما نقول “سنة و بتمضى”، على أمل أن ينال علامات جيدة في نهاية العام، فينسينا تعبنا، لاغنى عن الدروس الخاصة مهما كان مدرسوه أكفاء، فالمناهج صعبة وتحتاج متابعة “.
وفي استطلاع أجرته إحدى الصفحات التربوية عن مدى الحاجة لهذه الدروس، وأسباب ازدياد الإقبال عليها، تفاوتت الآراء وتقاذف الأهالي والمدرّسون التهم، مع وجود من يعزو الحاجة الملحة من الأهالي إلى صعوبة المناهج وعدم قدرتهم على متابعة دروس المناهج الحديثة مع أولادهم.
إلى جانب صعوبة المناهج، يُجمع معظم الأهالي على أن “عدد الطلاب الكبير في القاعات الصفية يجعل الدروس الخاصة شيء لابد منه، فلا يستطيع المعلم في مثل هذه الحالة متابعة جميع الطلاب، خاصة مع فوارق القدرة الإدراكية بينهم، ولا يستطيع الطلاب بدورهم التركيز على الدرس في مثل هذا الجو.”
ويتهم بعض الأهالي المدرّسين بالتقصير المتعمد في الصفوف من أجل دفع الطلاب إلى اللجوء للدروس الخاصة مرتفعة الثمن، مستندين إلى أقوال أبناءهم الذين كثيراً ما يبررون تقصيرهم بهذه الحجة.
وتجد المدرّسة منال أن “هذه الحجة غير مقبولة، ولا تتعدى الحالات الفردية”، حسب رأيها، مع أنها تقرّ بأن “الرواتب المنخفضة التي يتقاضاها المدرّسون، تبرر أحياناً لجوءهم لإعطاء الدروس الخاصة وإعطاءها اهتماماً أكبر بطبيعة الحال”.
وتجيب عن ارتفاع أسعار الدرس الخاص بقولها” للحقيقة يتبع ذلك بالدرجة الأولى للمنطقة، وخبرة المدرّس، وفي بعض الأحيان إذا خفضنا الأسعار يتعامل معنا الأهالي بمنطق السلع، سعر درسي منخفض فهو إذاً منخفض الجودة والمستوى”.
كثرة الدروس الخاصة وانتشارها بطريقة باتت أشبه بكونها “موضة”، جعل الطالب يعتمد عليها بشكل أساسي، مدّعياً عدم القدرة على الدراسة وحده، وتحميل الأهل مسؤولية فشله، إذا لم يستطيعوا تأمين مدرّس خاص له أو معهد مرادف للمدرسة، أسوة بأقرانه.
هذا الحال وضع كثير من الأسر في وضع لا يحسدون عليه، ليستطيعوا التوفيق بين تكاليف هذه الدروس والدخول المحدودة، مقابل أسر أخرى تحوّلَ الدرس الخاص واسم المدرّس الذي يعطيها لأولادهم، إلى “برستيج” يتباهون فيه أمام الآخرين.
وكانت وزارة التربية اتخذت عدة إجراءات للحد من ظاهرة الدروس الخصوصية كإقامة الدروس والندوات التعليمية عبر الفضائية التربوية وخاصة لطلاب الشهادات، والعمل على تطوير المناهج التربوية باعتماد مدخل النشاط الذي يفعل دور المتعلم ويحمله مسؤولية تعلمه.
كما عملت على تطوير نظام التقويم الذي يهتم بإنتاجية المتعلم وليس بالدرجات التي حصلها فقط، حسب ما بيّن مدير التوجيه في الوزارة المثنى خضور العام الفائت.
يذكر أن المادة 42 من المرسوم التشريعي رقم 55 لعام 2004 ، نصت على الإغلاق الكلي للمؤسسة التعليمية الخاصة غير المرخصة نهائيا، في محاولة لتقليل نسب الاعتماد على الدروس خارج القاعات الصفية.
رنا سليمان _ تلفزيون الخبر